محتوى المدونة لا يناسب من تقل أعمارهم عن 17 سنة !! (مش أنا اللي بقول)

OnePlusYou Quizzes and Widgets

Created by OnePlusYou - Free Dating Sites

سـِفـْرْ عـَاشـُوريات

19‏/04‏/2010

"عبث أبي"



.....


كنت أكره أبي ..
لكني عندما كبرت .. فهمته جيداً..
مرت علي 3 مشاعر في حياتي ربطتني به ..
..
الأولى .. المرحلة التقليدية ..
وجدتني أفعل كما يفعل إخوتي الكبار ..
أقدسه وأؤلهه .. وأقبل يده بإنحناء ..
وكنت أكره من يتناول سيرته بسوء .. بل وأبطش به ..
...
الثانية .. المرحلة التنويرية ..
وهي لم تكن لتقل سذاجة عن المرحلة الأولى ..
تبدلت مشاعري تجاهه تماماً ..
عندما اقتربت أكثر من سيرته ..
أدركت وقتها أنه كاذب وآفاق ومدعٍ ولص وقاتل ..
وعندما صرحت لهم بذلك .. وجدت من يعارضوني ينقسموا إلى قسمين ..
منهم من يريد السب والتشاجر ..
ومنهم من يبرر كل جرائم أبي بأسخف التبريرات الممكنة ..
لأنهم لا يريدوا أن يكرهوه .. فتنهار آمالهم القادمة مع إنهيار صورة الأب ..
وجدت إخوتي الكبار ينفرون مني وقتذاك ..
.......
وعندما خرجت إلى العالم وذهبت إلى بلاد أخرى بعيدة .. وتخلصت من شاعريتي وحسي المرهف .. إلى حدٍ ما ..
أدركت أن القانون المسيطر على الحياة هو قانون العبث ..
ودعك من محاولات التحضر التي نختبيء خلفها .. محاولين أن نداري بها فطرتنا العبثية التي وجدنا عليها أنفسنا في هذه الدنيا ..
............
في أي مكان ذهبت إليه ..
شرقاً وغرباً ..
بلاد تعبد الأبراص .. وبلاد لا تؤمن إلا بالعلم ..
لم أجد إلا عبث وفوضى واضحين في البلاد الأولى ..
ومثلهما .. لكن مستتران في البلاد الثانية ..
......
يجب أن يكون لك ظهراً ليحميك في أي مكان ..
....
وجدتني أعاملهم برقي وتحضر .. فلم ينتبهوا لكلامي طالما اسم عائلتي معروف ..
ظنوا أني أتخابث عليهم ..
.......
فأنا ابن القاتل الشهير ..
أخبرهم أني أتبرأ منه وأشرح لهم وجهة نظري في الانتماء .. فلا أقابل إلا شك وتخوين واضطهاد !
...........
وقتها أدركت قيمة أبي ..
وغضبت كثيراً .. لأنه مات متحسراً علي .. لأني لم أفهمه جيداً ..
وتبدلت مشاعري نحو المرحلة الثالثة ..
......
ولا أعلم .. هل لو كان أبي إنساناً وديعاً لما كنت لاَتعرض للاضطهاد؟؟ ..
وعوملت كإنسان محترم؟؟ ..
هل لو كان إنساناً محترماً ووديعاً .. لكنت نشأت في ذلك القصر المهيب الذي يخاف أشجع الشجعان أن يمروا أمامه ..
هذا قبل أن ينهار كياننا !
........
.. هل فعل هذا لنصبح أقوى من الأقوياء -أنفسهم- لكني لم أحافظ على مجده؟؟ ..
.............
هناك صخرة قرب عمود ..
اصطدمت بها فسألت : من الذي وضع الصخرة هنا؟
فأخبرني أحدهم : وضعها رجل طيب .. حتى لا تصطدم في العمود !
أسأل : من الذي وضع العمود أصلاً؟
يجيب : نفس الرجل الطيب .. وضعه هنا حتى ينتبه الناس لوجود الصخرة !!
..........
وأبي كان في حاجة للزعامة هذه ..
كان يتيماً فقيراً .. لكنه عبقرياً ..
مشكلة من يجد في نفسه العبقرية وتنقصه القوة ..التي يثبت بها نفسه في مجتمع فقير كقريتنا !
..
حتى تزوج أرمل غنية .. أعطته مالها وحنانها وكل شيء ..
وإن ظل بعدها مختبئاً عن أعين الرجال -خشية أن ينادوه بــ"زوج الست"- في مخابئ القرية مع بعض الأصدقاء المختارين ..
حتى وجد كنزاً ..
كما أنه أثبت نفسه -أيضاً- .. وأضاف كنزه لأموالها وضاعف تلك الأموال ألف مرة ..
بتجارته المشروعة والغير ..
وحفظ سيرتها وظل مخلصاً لها حتى ماتت ..
......
بعدها سلم نفسه لشهوته وتزوج وطلق من النساء ما يريد ..
ومع كل إمرأة قادمة .. كانت تجارته وثروته ونفوذه يزيدون أكثر ..
وكذلك غدره بالناس ..
وفي نفس الوقت .. كان يمنح رجاله كل ما يريدون ..
فهم الذين سيحفظون سيرته الطيبة .. وسيتغاضون أو يزيفون أفعاله الشريرة ..
ناهيك عن إنه كان يغلظ العقوبة على من يخونه أو من لا يتبع كلمته ..
...........
أخبرني عقلي المتشكك أن أبي لم يفعل كل هذا ولم يصنع إمبراطوريته هذه من أجلي ..
فأي حيوان منوي حقير كان سيؤدي نفس الغرض .. وسيأتي له بابنٍ غيري ..
إلا أني أخرست ذلك الخاطر بداخلي .. الذي لو كنت استغرقت فيه .. لفكرت في الانتحار ..
فكل دوافع البشر بلا استثناء تأتي بما يوافق مصالحهم .. فلو كانت المصلحة مشتركة فلا ضرر هنالك ..
.............
عندما فهمت معنى العبث .. أحببت أبي !
رغم أنه كان قاتلاً ولصاً وكاذباً .. ومريضاً نفسياً !
..............
كنت كثيراً ما اَترجح بين المرحلة الثانية والثالثة ..
عندما أجد تطرفاً من إخوتي الكبار تجاه الآخرين .. كانت مشاعري تجاه أبي تذهب إلى مرحلتي الثانية ..
حيث أظهر لهم كذبه وسذاجته وأمراضه النفسية ..
......
وكنت عندما أجد سخرية في حقه من قِبل إخوتي الصغار .. كنت أذهب إلى مرحلتي الثالثة والأخيرة ..
حيث أتجاهلهم تماماً !
وأدعهم لسذاجتهم التي لن تمنع تطرف ..
وستغضب عليهم إخوتي الكبار أكثر ..
..............
كان الآخرون لا يثقون في حبي لهم ..
ويتشككون أكثر في ولائي لكل إخوتي بلا استثناء ..
كانوا لا يؤمنون بحيادي ..
ولأني كنت أقرأ عن الزعماء وفلسفاتهم الضرورية من أجل البقاء والسيطرة ..
فهمت شخصية أبي ..
فهمته وأعجبت به ..
لكني لم أسامحه .. لبقايا إنسان مرهف الحس لا يزال متربعاً بداخلي ..
..............
أدركت ان طبيعة الحياة ذاتها هي العبث ..
العبث يجعلني أتقبل أي شيء من أي شخص ..
...........
ها نحن الآن أصدقاء ..
فمرحباً بعداوتك في الغد !
...........
ها نحن عاشقان الآن ..
فمرحباً بأي قذارة وغدر قادمين !
.............
لم أؤمن بالعبث أبداً ..
(بل وجدتني أبدو متسامحاً مع الشياطين - حتى- .. بصورة تجعلني أبدو كالأبله أمام الآخرين !)
لكني اعتنقته كتفسير ..
العبث جعلني متسامحاً مع البشر ..
ومحتقراً لهم في نفس الوقت ..
أراهم كالأطفال المجانين ..
اَبتسم من تصرفاتهم .. وأضحك ..
ثم في النهاية أعود لنفسي ..
......
في سبيل الشهرة والشهوة والنجومية والمال والاستعراض ..
لا يوجد شيء اسمه كرامة أو شرف أو مباديء ..
العبث جعلني أرحب بالطعنة القادمة .. من أقرب إنسان !
..............
الإنسان يذبح البقر والجاموس والخرفان والماعز والجمال والدجاج والديوك والأرانب والطاووس ..
.. ويصيد العصافير والثعالب ..
ويبيد الحشرات والبعوض ..
ويقتل الفئران والأبراص ..
الإنسان يتأله من القطط والكلاب ..
الإنسان يجز النباتات ويدوس على الحشائش ..
دون أن يأخذ في باله أنه ينهي حياة بعض الكائنات الصامتة ..
وما الصمت في الحياة إلا انهزام !
الإنسان يروض الأسود والنمور والفهود والقرود ..
...............
دعنا من غير الإنسان ..
الإنسان يقتل الإنسان ..
لأتفه وأحقر الأسباب ..
ابنة الوزير لا تتزوج ابن غفير إلا في الأفلام الساذجة ..
أنت تعطي الشحات حسنة وأنت تتحاشى أن تلمس يده حتى لا تتسخ ..
..............
مهما نادت الأديان أو الفلسفات بانهيار الطبقية ..
إلا أنها لا تزال موجودة ..
لكن أبي فعلها !
فبعد أن حرق فدادين عائلة تناصبنا العداء في البلدة وقام أخي الأكبر بقتل كبيرهم ..
عقدوا معنا معاهدة صلح مضطرين ..
اشترط فيها أبي أن تتزوج ابنة كبيرهم من ابن كلاف المواشي لدينا ..
ولم يقووا على الرفض إلا أيام قليلة , رفض فيها أبي أن يزوج أحدنا -أبنائه- إليها كما يودوا ..
وقتها أخبرني أخي الأصغر أن أبي فعل ذلك لأنه لا يتشهيها .. ولو كان يشتهيها لتزوجها هو بعد أن يطلق واحدة من زوجاته الأربعة !
..
ربما فعل أبي هذا لأنه أراد أن يذل تلك العائلة أكثر وأكثر!
صحيح أنه بعد هذا .. أخذت تلك الفتاة تعامل ابن الكلاف بصلف وغرور ..
في الوقت الذي كانت تمارس فيه فعل دلالها على أبي حتى يشتهيها .. ويتزوجها !
وفعل أبي !
طلقها من ابن الكلاف .. وتزوجها هو !!
..
رغم هذا لم يتهمه أحد من بلدتنا بأنه شهواني أو ما شابه ..
فكل ما كان يفعله أبي مبرر وإن كان فعل الجنون ذاته !
لكني عندما أرى عائلة الكلاف هذه وهي تسبح وتمجد بحمد أبي وأفضاله عليهم ..
حتى بعد مماته بسنين ..
أدركت أن معظم البشر لا يفكرون في الدوافع الخفية ..
...........
الإنسان - أي إنسان - يهتم بما يأتيه دون أن يعبأ بقانون الصدفة .. أو أية محاولات تفسير مادية ..
العيب ليس في الكاذب أو القاتل أو السارق ..
......
العيب في المخدوع والمقتول والمسروق !
.....
ليس مهماً أن تكون صائباً أم مخطئاً ..
فما الصواب وما الخطأ في عالم يقوده العبث؟؟
المهم أن تنتصر !
............
أحياناً أود أن أعبر عن حبي لأبي بطريقتي الخاصة فأتخيل ردود أفعال اخوتي الكبار وهم يوبخوني ويسبوني وكأني أكرهه !
أنا أحبه فعلاً .. لكن على طريقتي الخاصة ..
ولربما سيفهم اخوتي الكبار طريقتي تلك وهم يشاهدون اخوتي الصغار وهم يعبرون عن كرههم له روحة وغداة ..
أعرف جيداً أن لا اخوتي الكبار ولا الصغار يعرفونه مثلي ..
فيصعب علي أن اَتخيل أن يتحول الكبار لفكري مباشرة دون أن يمروا على الصغار أولاً !
............
مات أبي .. ومضت سنين على ذكرى وفاته ..
ولا أزال كلما ذكرته أترحم عليه ..
وأطلب منه أن يسامحني لعدم فهمي وتقديري لما كان يوصيني به ..
...............
رغم ان عقلي فهم طبيعة العبث ..
إلا أن قلبي لا يزال ينأى عن أي زعامة ملطخة بالدماء !
نعم .. أنا أحب أبي ..
وإن كنت لا أقدسه كما يفعل إخوتي الكبار ..
واَحترمه كثيراً كما لا يفعل إخوتي الصغار ..
................
أبي كذب وقتل وخان ..
نعم !
هذا حقيقي ..
لكني فهمت وجهة نظره في هذا العالم ..
فهمتها بعد أن انهار كيانه وسط الحمقى من إخوتي الكبار والصغار ..
بين من يراه كإله .. ومن يراه كشيطان !
.............
أحبه ..
لأنه .. فقط أبي ..

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل، قال: ((إذا تقرب العبد إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة)) رواه البخاري