محتوى المدونة لا يناسب من تقل أعمارهم عن 17 سنة !! (مش أنا اللي بقول)

OnePlusYou Quizzes and Widgets

Created by OnePlusYou - Free Dating Sites

سـِفـْرْ عـَاشـُوريات

15‏/08‏/2018

الخدام


يناير 2006

البوليس يطرق باب إحدى شقق وسط البلد، بعد دقيقة يفتح "ناصر" الباب، ويظهر خلفه العديد من الكوريين، بـ قامتهم القصيرة، وجوههم المصفرة، وأعينهم الضيقة..
يخبر الظابط أنه يعمل في خدمة هذا المنزل.. الذي تقيم فيه سيدة كورية..
الظابط يسأله: "يعني اِنت الخدام هنا؟"
"ناصر" بـ لامبالاة: "أيوة يا فندم.. أنا الخدام."
الظابط يسأله عن باقي الكوريين الموجودين بـ الشقة، فـَ يخبره "ناصر" أنهم أقاربها.. وجميع قصار القامة من خلفه يقولون بـ إنجليزية ركيكة "وي آر فاميلي"..
الظابط ينظر قليلًا في شك، ثم يرحل..

"ناصر" اِبن "المصطفى حسن آدم النسيبي"..
يشعر بـِ فخر دائم بـ اِنتمائه للعائلة، ومرارة لا تزول لأنه "خدام العائلة"..
نشأ لـِ يجد نفسه خدام العائلة، دون أي تدخل أو اِختيار منه.. أبيه لم يرث مالًا عن جده، فقط ورث عنه الوفاة قبل الـ60 بـِ أمراضه العديدة.. وأخاه –"صدقي"- استقر في مهنة النصب على الناس بـِ الدروشة..
الكذب أمام أعين الناس يحتاج إلى موهبة وحياة مريرة.. و"ناصر" لديه الثانية، ويفتقد للأولى.

أحيانًا ينظر إلى أخته الكبرى "أسماء" -التي التزمت الصمت مدى الحياة- بـِ حسد. أما أخته "همت" فـَ كانت هي من تسند البيت، خاصة بعد وفاة الوالد.. كانت قد تزوجت "حجاج" عضو مجلس الشعب عن المحافظة، ابن قرية "الحجايجة" التابعة للبندر والملاصقة لـِ قرية "أولاد نسيب"..
كانت "همت" تأتيهم من حين لـ آخر بـِ مساعدات نقدية وملابس.. وهذا لا يخلو من مقابل.. ودومًا "ناصر" هو الوحيد الذي يدفع المقابل..
إن أرادت أن تذهب للبقال قرب منزلها في البندر، تهاتف أخيها "ناصر"، كي يرافقها.. هو من يذهب بـِ ولدها "شادي" إلى الحلاق.. ويجلب لها أدنى أدنى طلباتها.. الأمر لا يتوقف عند خدمة أخته التي كانت تعوله ماديًا..
بل كان هكذا لـ أي فرد في العائلة..

"اِبعت ناصر.."
كانت من أكثر الجمل التي يرددها أبناء العائلة المرتاحين ماديًا.. وغالبًا كان يخدمهم دون مقابل.. هو يرى أنه يجب أن يخدم أبناء عائلته، لأنهم فقط أبناء عائلته..
إنها العائلة.. النسايب..
في حين أن الأمر الواقع يقول أنهم قد يبطشون به لو رفض مطالبهم.. هو لم يفكر في أي رفض من الأساس كي يقيس عليه السيناريو الناتج..
هكذا رباه أبوه.. أن يحترم أصغر فرد في العائلة.. خاصة والأب الفقير، كانت الأمراض العضوية تأكل من شخصيته وثقته وكرامته أكثر وأكثر..

"همت" تخبره "خلي بالك من (شادي) وهو بـ يلعب"..
"سيدة" تخبره "خلي بالك من (عمر) وهو بـ يلعب"..
"نبيهة" تخبره "خلي بالك من (نوجا) وهو بـ يلعب"..
"آمال" تخبره "خلي بالك من (حازم) وهو بـ يلعب"..

أما الكبار.. فـَ "نجيب" يطلب منه أن يخبره عما يتقول به "فهمي" عليه، الذي بـِ دوره يطلب منه أن يتجسس على قصر "نوح"..
العمدة "فريد" سبق وأن طرده من دار العمودية لأنه كان يوصل كل ما يدور هناك إلى شقيقي العمدة "مختار" و"ياسين"..

ربما كان ترفيهه الوحيد في تجرع البيرة التي أدمنها مبكرًا مع زوج أخته "ضياء"..
كان الوحيد الذي يخبره "ناصر" بـِ أدق أسراره الخاصة.. يقول له أنه لا ينسى فضله عليه بعد أنه عـَرَّفه على الكحوليات.. خاصة وهو لا يحب الحشيش..
يخبره مرة أخرى أنه يتمنى لو يصير جاسوسًا لـِ صالح إسرائيل، فقط هو لم يجد أية عروض منهم حتى الآن، حد أنه فكر أن يعرض نفسه على السفارة الإسرائلية لـِ يعرض عليهم خدماته..
"ناصر" لا يعرف شيئًا اِسمه وطن.. هو نفسه يرى كبار عائلته يتحدثون في التلفاز والجرائد عن قيمة الوطن، ويعلم أنهم يسرقون إخوتهم، ويبيعون ألف وطن مقابل جنيه..

لكن "ناصر" يكبر.. والمنح المالية القادمة من الأخت أصبحت تذهب لـِ علاج أمه.. وهو يخجل أن يطلب شيئًا.. والمهن المعروضة عليه من العائلة كلها لا تؤتي دخلًا يـُعيل فردًا واحدًا!
هو في النهاية "الخدام ناصر" الذي يجب أن يكون أعلى أجر يحصل عليه هو رضا سادته -من العائلة- عنه..
وقتها اضطر للتصادم مع هواء القاهرة..

وهواء القاهرة له رائحة مميزة..
فـ هو خليط مميز من عرق خبث الفلاحين، طمث فتيات مقهورات، مكياج زوجات فقدن رائحة الأنوثة، مني رجال مقهورين مرتشين، أموال ملوثة بـ دماء، رجال دين وأكوام قمامة، رائحة عسكر بـ مسبحة، زبيبة سجود تعانق ختم نسر، رائحة ضياع شباب، كلة وأفيونات، رائحة تبرير بدوي لـ قانون التوازن الطبيعي، ضجة ولعاب متطاير، رائحة مستشفيات وأقسام شرطة، رائحة نصب فواحة، رائحة تخبرك أنك سـَ تموت وحيدًا، رائحة لا تحاول أن تتوارى خجلًا، تفضح نفسها أمام أنفك طوال الوقت وكأنها تخبرك.. نعم أنا عاهرة، ولن تستطيع معي صبرًا ..ولا فرارًا.

أول مهنة امتهنها هنالك، كانت فرد أمن بـِ راتب وضيع..
كان يتناول فتات الطعام ويجلس 12 ساعة صامتًا.. إنها مهنة الملل القاتل..
زملائه يخبروه أن يضيع وقته في التدخين أو في قراءة القرآن..
إلا أنه كان يظل على وضع الثبات هذا دون فعل هذا أو ذاك..
يحول معظم راتبه إلى زجاجات بيرة، يتجرعها ليلًا..
كل يوم على هذا المنوال.. يشرب حتى يبدأ التحدث مع نفسه.. وربما صفعها، وانهال على وجهه بـ اللكمات..
ويستيقظ اليوم التالي بـِ صداع يناسب جلسته الصامتة في الحراسة من الـ لاشيء..

في يوم ما.. كان قد تجرع بعض الزجاجات، ورأف بـِ حال نفسه.. فـَ قرر الخروج وسط الزحام..
قادته أقدامه إلى كورنيش ماسبيرو..
ومع تأثير الثمالة.. أخذ يرقص على إحدى المراكب على أصوات الأغاني الصاخبة لـ جذب الجمهور، ثم الانطلاق في جولة نيلية..
ظل مواظبًا على تلك العادة..
هي في النهاية أفضل من البقاء في غرفته الضيقة لـ يضرب نفسه بعد الانسطال..

حتى طلب منه أحد المراكبية أن يعمل معه كـَ راقص على مركبه لـ جذب الجمهور الخليجي.. يخبره بـِ غمزة "دولا شعوب فن وسلطنة وبـ يقدروا رقص الشباب الجميل اللي زيك"..
ترك "ناصر" عمله كـَ فرد أمن مقابل أن يصير راقصًا على مراكب كورنيش ماسبيرو مقابل أكثر من ضعف الراتب السابق.. يرقص وبـ جواره فتاة دميمة محجبة بـ مؤخرة ضخمة خلف الجينز لـ جذب كل الميول الجنسية.. وحين يمتليء المركب بـ الزبائن، يذهب الراقصان لـ مركب آخر لـ مواصلة العمل..
كان لا يستطيع أن يعمل إلا حين يتجرع أقسى أنواع الكحوليات بعد أن صارت البيرة بـ النسبة إليه مشروب منبه كـ القهوة!
بعدها عمل "ناصر" بـِ الشذوذ الجنسي مقابل أجر.. لم يكن شاذً الجنس من الأساس، لا يميل إلى الذكور. لـَكنه كان على استعداد لـِ فعل أي شيء مقابل المال..

فيما بعد تعرف "ناصر" في أحد المراكب على سيدة كورية..
كانت تؤجر شقة في وسط البلد، وتتكسب في الخفاء من الدعارة..
شرط أن يكون زبائنها فقط كوريين.. شقة دعارة قومية بـِ نسبة 100%..
كانت تريد شابًا مصريًا لـ يعمل معها..
والاتفاق الدائم أنه حين يطرق البوليس الباب، نقول أننا عائلة..

عمل ناصر مع السيدة الكورية لـ أقل من عام، مقابل أموال بسيطة وجنس دائم مجاني مع جميع فتيات المنزل..
هو غير الكوري الوحيد الذي كان يحق له مضاجعة الكوريات..
كان يقول أن أكثر ما كان يزعجه في الجنس مع الكوريات، أنهن لا يحلقن شعر عاناتهن أبدًا، ويعتبرن هذا مبالغة في النظافة..

وعندما قرر "ناصر" العودة إلى بلده.. كان يريد أن يروي كل ما مر به من تجارب لـ صديقه الوحيد، زوج أخته "ضياء"..
لكنه قام بـِ دفنه بعد عودته بـ أيام، بعد أسابيع قضاها "ضياء" بـِ المستشفى حتى مات بـِ مضاعفات سرطان الثدي، نتيجة حقنه بـ هرمونات ذكورة لـ سنوات.. لأن والده فقط أراد أن يرى لحية اِبنه نابتة!
وظل "ناصر" يبكي" أثناء دفنه كما لم يفعل أقرب أقرباء المرحوم "ضياء".. حتى "أسماء" أخته، زوجة المرحوم لم تبكِ قط وبقت على صمتها الدائم.. فقط انتقلت لـ تعيش بـِ بيت والدها في القرية مع والدتها وأخيها "صدقي" من جديد..
حتى "إبتهال" نفسها.. أم المرحوم.. اندهشت من انهيار "ناصر" بـِ هذا الشكل أمام جثة ولدها.. ربما لأنه –"ناصر"- شعر أنه وحيد الآن..
ولا يوجد من يستمع إليه..
خاصة بعدما تأكدت إصابته بـ فيروس نقص المناعة المكتسب، المعروف بـِ الإيدز!

لم يفت إلا 4 أشهر على إقامة "أسماء" الصامتة بـ بيت والدها من جديد..
حتى فوجيء أهل البلد بـ "ناصر" يخرج إلى ساحة مركز القرية أمام ساحة الدوار..
وهو يصيح:
"يا أهل البلد.. يا أهل الدين والتقوى والأصول.. أختي (أسماء بنت الحاج المصطفى حسن آدم النسيبي).. مريضة.. ومش هـ ينفع تتجوز تاني.. حرام شرعًا إنها تتجوز تاني.. وملعون أبو أي واحد في عيلة (النسايب)، أو غيرها لو سمحتوا إنها تتجوز تاني لو جرالي حاجة!"

"وأخويا الشيخ (صدقي) لو جـَوّزها.. يبقى كافر وخارج عن الملة ولازم يتدبح!"
ظل يطوف كـ المجنون على كل البيوت بـ هذا البيان الغاضب..

"ناصر" يعلم أن أيامه في الحياة صارت معدودة..
وعندما يرحل.. سـَ تبقى أخته في رعاية الأخ "صدقي" والأم المريضة دومًا..
حتى فوجيء بـ "صدقي" يخبره أن أحد تجار الفاكهة بـ نجع مجاور يطلب يد (أسماء) لـ تصير زوجته الرابعة!
رغم حول عينيها وصمتها الدائم إلا أنها لا تزال جميلة وبـ علامات أنثوية..
"وسـَ يدفع المهر الذي نطلبه.."
وقتها حدثت مشاجرة بـ الأيدي بين الشقيقين رغم فارق أكثر من ال20 عامًا بينهما!
ولم يتوقفا عن ملاكمة بعضهما البعض إلا حين وقعت أمهما فاقدة الوعي وهي تحاول أن تحجز بينهما متثاقلة..
ولم يكتفِ "ناصر" بـ الخروج بـ بيانه الغاضب أمام جميع أهل البلدة.. بل ذهب إلى أخته "همت" وجعلها تقسم أن تحمي "أسماء" أمام غدر "صدقي" وأن تتكفل بـ رعايتها من آن لآخر.
و"همت" أراحت قلبه وطمأنته..

وهنا.. اِستقبل الشاب "ناصر" ملك الموت بـ كل ترحاب، وهو في منتصف العشرينات من العمر.

(14-3 من رواية النسايب)