محتوى المدونة لا يناسب من تقل أعمارهم عن 17 سنة !! (مش أنا اللي بقول)

OnePlusYou Quizzes and Widgets

Created by OnePlusYou - Free Dating Sites

سـِفـْرْ عـَاشـُوريات

06‏/01‏/2009

"مِن مقهى في شارع نوبار"


أخرج من محطة سعد زغلول..أمر في شارع ضيق مشغول بالباعة بكل أنواع بضاعاتهم..منها ما يؤكل..منها ما
يُلبس..منها ما يساعد على فعل هذا أو ذاك..أشق طريقي بصعوبة بين سير الموظفين وتلاميذ مدرسة المبتديان ومراهقات
الثانوية بأعينهن العطشى..أتجه يميناً لشارع نوبار حيث مقر عملي الحكومي الجديد..

بمجرد انعطافي يعترض طريقي نداء سيدة عجوز تدلي السبت من شرفتها في الدور الأول.."يا ولا يا ابو دقن!".."إنت يا ابو دقن!"..
كان صوتها رقيقاً..أصغر بكثير من شيبة شعرها..تجاهلتها أول مرة لأن نداءها يحمل قدراً من قلة التهذيب..وقد يكون تجاهلاً مستحقاً..فربما كانت تقصد غيري..في المرة الثانية غلب فضولي بعد ندائها..فنظرت-هذه المرة- نظرة تمكنها من
ملاحظة نظرتي..فوجدتها تقول.."هات سجارة"..وتحرك إصبعيها قرب فمها كأنها تدخن..فترددت برهة..

قد تكون مجنونة وقد تكون "إبراهيم نصر" متنكراً وقد تكون-وهذا احتمال ضعيف- سيدة طبيعية لا تقدر على الخروج لكنها فقط (خرمانة)!..أثناء تفكيري في هذا كنت قد ابتعدت خطوات عن "السبت"..فقررت أن أرجعها ثانية لأضع فيه السجارة وأنا أتمعن في وجهها..كانت بالفعل مجنونة..فأخبرني رجل كان يعبر بجواري.."رايح فين؟..ديه اللهم
احفظنا!".."أنا بس هديها سجارة".."طيب إديها"..ومضى في طريقه..وضعت لها السجارة في "السبت"..قالت
Merci بارستقراطية لا تتماشى مع حول عينيها المرعب..كأن ساحراً وضع لسان "ليلى فوزي" في فم "عبد الفتاح
القصري"..

أذهب لأوقع إمضاء الحضور..الموظفة تُغلق الدفتر في الثامنة..رغم أن العمل يبدأ في التاسعة!..لا
بأس..أذهب في الساعة هذه لأجلب شطائر الفول والطعمية وجرائد الصباح..ثم أذهب لمقهى مكعب جوه جميل وساحر كأنه الجنة..

(دوماً في كل مكان جديد أذهب إليه أبدأ في استكشاف مقهاه المميز..ومن ثم مكان مفضل في المقهى لا استطيع
استبداله)..

أجلس قرب نافذة المقهى في مكاني المفضل..أحياناً أجده محجوزاً فأذهب لحاجزه وأقول له.."بعد إذنك ممكن
تبدل المكان..عشان فيه أوراق مهمة هتضيع!"..أقول جملتي الغريبة هذه-أو ما يشابهها- بسرعة ورجاء وحزم..
فينهض..وأحياناً يسألني أحدهم "مش فاهم"..فأخبره بصرامة (بطريقة أن الأمر حياة أو موت): "يعني ممكن تبدل
مكانك ضروري؟!..لو سمحت يعني.."..فأكسب رهاني-غالباً- مع نفسي حول قدرتي على التحليل النفسي..وعندما
يبدل الشخص مكانه ينظر إلي بعدها محاولاً أن يعرف ماذا قلت له بالظبط ولماذا قام..هذا غير مهم بالنسبة لي..طالما
جلست على مقعدي في الجنة..

أتناول فطوري بينما يحضر لي رجل المقهى كوباً من الماء كما يفعل أي رجل مقهى محترم..أتسلى بشم رائحة البن الآتية من محل بن ملاصق للمقهى..أنهى طعامي..أطلب قهوة مع حجر تفاح..
أرشف..أقرأ..أسحب..أستمع واستمتع لــ/بــ صياح الباعة من السوق القريب..حتى يأتي وقت ممارسة العمل
فأنهض..يتكرر الأمر معي يومياً..

نسيت أن أخبركم أن المقهى أمام البناية التي فيها العجوز..
سألت رجل المقهى عنها..أخبرني وهو جالس بجواري يدخن السلوم..
"ست دماغها تعبانة..عايشة لوحدها..عيالها ناسينها..بس ليها أخت بتجيلها تحميها وتأكلها وبعدين تقفل عليها باب الشقة بالمفتاح..بس ست مسالمة..مشفتهاش متعصبة غير مرة واحدة..كانوا شباب بايظ..ندهت عليهم عشان يدوها سجارة..فافتكروها شرموطة..آه والله..زي ما بقولك..تقوللي عجوزة..تقوللي مجنونة..لكن تقول إيه على عيال جعانة ولاد وسخة..واحد منهم راح طالعلها..والباقيين فضلوا يستفزوها من تحت وهي بتشتمهم..رحت قمت أنا وعيال الحتة بيهم..طحناهم..وحرمنالهم يعدوا من هنا تاني..أنا كتير ببعتلها سجاير..قزازة كاكولا..وناس كتير بتعمل كدة"..
يصمت..كنت أسمعه وأنا أنظر إليها وهي تدلي السبت..يبدو أنها اليوم شرهة للنيكوتين..أو إنها تريد أن تدخر بعض السجائر "لزوم زنقة"..كما أفعل أنا أحياناً..أخبئ علبة سجاير وسط كتبي في مكتبة المنزل..لكن المشكلة إني دوماً ما أتذكر مكان العلبة -رغم نسياني الدائم- واعتمد عليها حتى تنفذ فاضطر للصبر حتى الغد أو مهاتفة السوبر ماركت!..وعندما وجدتني آخذ في تسجيل التشابه بيني وبينها أدركت أن الجنون قد يكون أقرب إلي من حبل الوريد!..
قال: تصدق وتآمن بالله؟..قلت: لا إله إلا الله..قال: "أنا عشان مكدبش عليك افتكرتك في الأول واحد من العيال دول من كتر ما عمال تبص عليها..بس لقيت شكلك ابن ناس..قلت إنك مستحيل تعمل كدة"..
تجاهلت انطباعه الأول وشكرته على الثاني..
بعدها..
وجدتني متعلق جداً بحالة تلك السيدة العجوز..وأصبحت المدة التي أقضيها في المقهى موزعة بين القراءة والاحتساء ومراقبة تلك السيدة وهي تراقب المارة في الشارع..محاولاً تخمين خواطرها حولهم..أصبحت لا أشعر بالراحة إلا بعدما أضع لها السجارة الصباحية..تعجبني طلتها الجميلة بعدها وهي تسحب السبت بلهفة الأطفال..
وتطور الأمر ليصبح سجارة الصبح وسجارة الظهر..بعد ما أنهي عملي..
كنت عندما أمر في الصباح ولا أجدها مستيقظة لا استطيع أن اتوفق ذلك اليوم في عملي..رغم أن طبيعة مهتني لها
علاقة بسماع شكاوي البشر وتخفيف مآسيهم..إلا أن كل راحتي كنت لا أشعر بها إلا بعد دفعي لضريبة الصباح اللطيفة
للسيدة العجوز..ولا أنسى إني عندما كنت جالساً على المقهى ذات صباح..وجدت شاباً يضع لها سجارة..فشعرت بغيرة
شديدة تتملكني..وكنت أريد أن أذهب إليها وأصرخ في وجهها "هو أنا حرمتك من سجاير عشان تعملي كدة؟"..أدركت
وقتها أن الجنون معدٍ!

أسأل رجل المقهى: ماذا لو ماتت أختها؟
فيجيب: ربنا يتولاها برحمته!
.....................

هناك تعليقان (2):

يوسفيات..محمد يوسف يقول...

هوا مش رمي كومنتات والسلام


بس القصة دي عجبتني بجد

"أستمع واستمتع لــ/بــ صياح"


عجبتني الدقة هنا

وحلوة أوي حتة التحليل النفسي

lena يقول...

الله عليك هايل والله........ وعلي فكره انا مش بسمع الكلام... متزعلش مني بس القصه اكتر من رائعه الله ينور عليك