محتوى المدونة لا يناسب من تقل أعمارهم عن 17 سنة !! (مش أنا اللي بقول)

OnePlusYou Quizzes and Widgets

Created by OnePlusYou - Free Dating Sites

سـِفـْرْ عـَاشـُوريات

25‏/03‏/2011

"زي كتير.."


..............
قبل..
...................
"أنا كنت عاشق زي كتير.."
...................
يعلم الأستاذ "مجدي بطرس" جيداً أن هنالك متطرفين دينياً في المدرسة الحكومية الثانوية بنين التي يعمل بها في اِحدى مدن الدلتا.. مدرسون وتلاميذ مـُلـَقنين.. لكنه يحاول أن يثبت لهم أن الدين المشترك بين أبناء الوطن الواحد هو المعاملة..
كثيراً ما يكون في اِجتماع مع أحد المدرسين من ذوي اللحى وزبيبات السجود.. ليخبروه أنهم يريدوا الاستئذان الآن لكي يصلوا الظهر.. هم يفعلوا هذا بطريقة خبيثة.. يقولونها وهم يراقبون رد فعله كما سبق للرئيس المؤمن الأسبق -السادات- أن فعل عندما طلب أن يصلي صلاة الإسلام في كنيسة أرثوذكسية.. ولم يهتم بخشوعه في صلاته بقدر اِهتمامه بمراقبة تعبيرات وجه "البابا شنودة" بعد أن أحضر له سجادة لكي يصلي عليها, فعاد السادات ليقول أن وجه شنودة لم يظهر عليه شيئاً لأنه حويط!
الأستاذ "مجدي" يدرك هذا جيداً.. ويعلم طبيعة مجتمعه التي تظهر كمتطرفة أحياناً بسبب فقر مادي أو إفلاس فكري..
لكنه يرى أن منصبه كمدير للمدرسة.. يتطلب منه أن يعلم التلاميذ معنى التسامح.. حتى يدركوا أن الوطن يسع للجميع وأن الإنسان لا يجب أن يهتم بعلاقة غيره بربه.. بقدر أن يقيمه بعلاقته هو معه..
..................
"فقير وبيكي هبقى أمير.."
.................
فمن منا يستطيع شق قلب إنسان ليعرف شكل الله بداخله؟!
فهل إلهك شيطان أم بلطجي أم ديكتاتور أم آلة جوفاء -تقرر الثواب والعقاب وفق بيانات معدة مسبقاً دون أي تقدير للنسبية بين البشر- أم موظف أم موسيقار أم شاعر أم إنسان أم ضمير؟؟
رغم كل هذا.. كان غالبية الطلاب يحبون مديرهم!
المدير لم ينجب من زوجته.. هي اِنشغلت في أعمال خيرية تابعة للكنيسة, وهو يرى التلاميذ كهبة إلهية.. منهم الصالح والطالح.. لكنهم جميعاً أبناؤه.. فكثيراً ما حل مشاكلهم الدراسية, والشخصية أيضاً.. بينهم وبين أولياء أمورهم..
فكانت الأصوات المتطرفة نادراً ما تلقى تأييداً لها في تلك المدرسة..
...................
"رسمت قصرك في خيالي.."
..................
في أعياده, يهاتفه طلابه المسلمون وكذلك يفعل أولياء أمورهم.. كما يفعل معهم المثل في أعيادهم.. ويحافظ على مشاعرهم وقت صيام رمضان بألا يتناول شيئاً في المدرسة ولا حتى جرعة ماء.. على سبيل التقدير منه لهم, بل وأحياناً يسخر من التلاميذ المسلمين الذين لا يصومون, بمزاح.. "شكلك لسة مابلغتش يا واد"..
..................
فضلت أحاصرك بآمالي.."
.................
أثناء..
.................
وقامت ثورة 25 يناير..
في البداية وجد نفسه مدفوعاً بقلبه تجاهها, وتمنى لو رددت صداها لديه في مدينته كما حدث في القاهرة والأسكندرية والسويس حتى يستطيع أن يشارك ويطلق صرخة وسط جماعة متفقين على مبدأ واحد: سقوط النظام من أجل حياة كريمة مكرمة..
....................
"لحد م أنتي يا حلم بعيد..
لقيتي حالك من حالي.."

..................
حتى بالتدريج بدأ الناس يفيقون في تلك المدينة.. وخرج معهم في أكثر من مظاهرة, وهتف بسقوط النظام بأعلى صوته حتى بح!
ولن ينسى أبداً حتى مماته وقت ما ذهب يهرول لمقهى قريب, مع المتظاهرين بعد أن سمعوا أن "عمر سليمان" سيلقي بياناً الآن.. وكان بيان تنحي "مبارك"..
وقتها تخلص من وقاره لأول مرة, وأخذ يغني وسط الناس بشيبة شعر رأسه التي تعطيه منظراً طفولياً رغم كهولته..
...................
"مشيت وإيدك في ايديا..
مش يوم لا لا لأ مية.."
"حضنت صورتك في عينيا..
حب وحنية"

................
بعد..
.....................
وهو في سيارته متجهاً إلى عمله في الصباح الباكر.. وجد سيلاً من السيارات يعبر ناحيته مخالفاً نظام المرور, لدرجة أنه تفادى أكثر من حادثة.. لم يفهم ما حدث إلا عندما سار قليلاً, فوجد أكثر من "مكروباص" يقطع الطريق أمام عبور السيارات, لأن سائقي (الميكروباصات) يقومون بإضراب.. كانوا أمام سياراتهم الراكنة يرفعون لوحات "نريد توحيد الأجرة 50 قرش"..
أوقف الرجل سيارته وخرج منها ليخاطب من يبدو وكأنه كبيرهم, منظم الإضراب.. سأله: "ممكن بعد إذنك أعدي؟؟ عندي شغل ماقدرش أتأخر عليه"
السائق في عدم اكتراث: "مش هنعدي حد غير لما الأجرة تبقى نص جنيه"
-"طب الناس لسة مرتباتها مازادتش عشان تدفعلكوا اللي عايزينه.. ممكن تستنوا شوية؟؟"
="مش هنعدي حد غير لما الأجرة تتوحل"
-"تتوحل؟"
.....................
"ولما كنت أعطش وأضيع..
كنت أترمي في أجمل تقاطيع.."
"ألاقي فيهم كنز كبير..
م أنا عاشق زي كتير"

....................
يقترب شاب منهما, كان خارجاً للتو من سيارته ليسحب المدير الكهل من ساعده, بابتسامة هامساً: "سيبك منه يا حاج, ولف الطريق التاني.. دول بهايم مش هيفهموا أبداً"
المدير: "ده بيقول تتوحل!!"
الشاب يضحك: "معلش يا حاج, أمسحها فيا.. دول جهلا ولا هيفهموا.. دول اللي كانوا بيشتموا علي وعلى غيري م اللي قام بالثورة وكنا بالنسبالهم عيال صيع موقفين الحال.. آديهم دلوقتي جايين ينطوا عليها بجهلهم"
المدير: "طب أنا هفهمهم غلطهم"
الشاب: "ولا هيفهموا يا حاج.. دولا حد كاتبلهم الكلام ده, أصلهم مش مناظر بتعرف تقرا ولا تكتب.. أنا والله لو اديتله لوحة مكتوب عليها (أنا اِبن هبلة) هيمشي يلف بيها الشوارع وهو مبتسم"
المدير يضحك.. ويذهب لسيارته ليسير عكس خط السير, ليقطع طريقاً أطول وأبعد حتى يصل لمدرسته..
.......................
"إحساسي قالي إني أستاهلك..
فكرت تبقيلي حلالي.."
"جريت عليكي أندهلك..
وحصاني ناطط في العالي"

.....................
بمجرد ما توقف أمام باب المدرسة.. يصل لأذنيه أصوات هرج ومرج..
كان التلاميذ يصيحون..
"مش عايزين بطرس, مش عايزين بطرس"
أحد التلاميذ صعد فوق (تختة) ملقاة في فناء المدرسة, وأخذ يرقص وهو يهز وسطه في حركات فاضحة هاتفاً: "مش هنمشي.. هو يمشي"!
يقترب منه أحد المدرسين ليسأله: مين ده اللي يمشي؟؟
فلا يلتفت التلميذ إليه.. ويردد وهو يرقص بصورة أكثر بذاءة..
"مش هنمشي.. هو يمشي"
يسأله المدرس بصوت مرتفع: طب يمشي يروح فين؟؟"
التلميذ: "مش هنمشي.. هو يمشي!"
المدرس: وانت غصب عنك مش هتمشي.. انت في مدرسة يا ولد!
عندها يرد التلميذ وهو يخرج لسانه وحوله باقي التلميذ يهتفون مثله: "مش هنمشي.. هو يمشي"!
أما عن الأستاذ "مجدي"..
في البداية.. لم يستوعب.. ولم يصدق..
تلاميذه يقومون بثورة ضده!
......................
"وصلت بابك وأنا شابك أحلام في عيوني..
ولسة هبدأ في كلامي.. حراس منعوني"

.....................
يأتي إليه أحد وكلاء المدرسة ليخبره أنهم على هذا الحال منذ بداية الطابور الصباحي.. ويطالبون برحيل المدير متهمينه بسرقة ميزانية المدرسة لحسابه الشخصي.. مقابل بعض المراوح للفصول فقط!
المدير يرد: أنا لو حرامي كنت قلت إن المراوح من الميزانية.. لكنها من التبرعات.. الميزانية بتاعة الترم التاني لسة موجودة, ماتصرفش منها مليم!
...................

"بيقولوا يا فندم, إنك كل يوم بتيجي بدلة شكل.. معلش أعذرهم أصلهم متعودين على صورة إن مدير المدرسة الحكومي يبقى مدهول"
كاد يرد أنه ليس له أبناء يصرف عليهم.. حتى يظهر كمتواضع الملابس! لكنه شعر أنه لا فائدة من ذكر ذلك..
غصة مؤلمة..
المدير يشعر الآن بألم لم يشعر به في حياته كلها..
تخيل لو خرج على الطلاب الآن في فناء المدرسة الذي لم يبرحوه إلى فصولهم ليخبرهم أن كل طلباتهم مجابة.. سيصبح الآن في صورة "مبارك" بالظبط.. وسيزيدهم هذا من الإصرار.. بعد أن أصبحت اللاثقة آفة متنامية.. بعد أن غلب الحفظ على الفهم..
يتدخل أحد المدرسين: "يا باشا دي بقت موضة.. أي حد دلوقتي مابيثورش ضد مديره بيقولوا عليه إنه لامؤاخذة يعني.. نعمل ايه بقى في عيال سفلة ولاد كلب.. آدي اللي جابته الثورة!!"
كاد المدير يرد ليدافع عن تلامذته وعن الثورة.. لكنه سرعان ما أطبق شفتيه عندما وصل لأذنه هتافات أشد إيلاماً..
"اِرحل يا حرامي.."
وهذا ما جعل المدرس يستطرد: "والله يا باشا.. كل العيال اللي شغالة بتهتف ديه.. عيال لامؤاخذة صيع, وبيعملوا الحبتين دول عشان يخرجوا لمدرسة البنات يعاكسوا فيهم"
...................
"اكمني عاشق على قدي..
والحب والهوى راسمالي..
"رجعت.. ايدك يا حبيبتي مش في ايديا"

.....................

نظر حوله على باقي المدرسين الملتفين.. فلم يلمح من المنتمين للتيار السلفي أو الإخواني.. إلا واحداً كان ينظر إليه بتشفٍ واضح!
المدير يشعر الآن بالدوار..
حاول أن يتماسك.. حتى خرج مسرعاً, معتذراً لمن حوله, مهمهماً بكلمات سريعة غير مفهومة..
وعاد إلى بيته وهو يبكي..
لم يصدق أن تنقلب الثورة التي شارك فيها عليه هكذا.. لم يصدق أن يلقى كل هذا الجفاء ممن كان يعتبرهم كاَبنائه, والذين كثيراً ما أعطاهم وقتاً على حساب وقته الشخصي..
وبمجرد أن أخبر زوجته بما حدث.. طيبت خاطره, وأحضرت له عصير ليمون.. حتى هدأ قليلاً, فهاتف مديرية التربية والتعليم, ليخبر المسئول أنه يريد تقديم اِستقالته.. فهو على أي حال سيخرج على المعاش بعد عامين..
فيرد عليه المسئول: "يا راجل إحنا هنلاقي أنضف أو أشرف منك فين بس.. الناس اتمرعت ومحتاجة قلمين يفوقوها.. مش ديه الثورة اللي كنت بتدافع عنها؟؟.. أنا الصبح داخل مكتبي, لقيت الساعي ماقامش يتنفض زي كل يوم.. رحت فزعت فيه, وخصمت منه يومين.. أنا هكلم المحافظة حالاً عشان يشوفوا حل للفوضى ديه!"
....................
"قضيت سنين مالهاش معنى..
مانستش ولا ليلة موضوعنا..
"مانكرش عقدني شوية.. وأثر فيا"

.................

بعدها تنهال على هاتف بيته مكالمات من تلاميذ وأولياء أمور يحبونه ويبكون لأجله ويخبرونهم أنه لا شأن لهم بالطلاب الذين تظاهروا ضده.. فطلب المدير أن يعرف اسم من نظم هذا التظاهر.. فأعطوه الاسامي..
فيقوم المدير بمهاتفتهم ليسألهم متأثراً: ليه عايز تمشيني يابني؟ لو عندك سبب حقيقي أنا همشي فعلاً..
فلم يجد إلا تلعثم أو إنكار!
بعد قليل يهاتفه مدرس الألعاب الذي يحبه كثيراً, وكان في إجازة عارضة في ذلك اليوم.. -وصله ما حدث في المدرسة-.. ليخبره أنه غداً سيأتي ببعض من أصدقائه البلطجية ليتصدوا لأي محاولة خروج على نظام المدرسة.. في ظل غياب الشرطة..
الأستاذ "مجدي" في دهشة: بلطجية؟؟؟
يرد مدرس الألعاب: يا باشا البلطجية أصلاً طول عمرهم هيفضلوا بلطجية.. فلما نكسبهم في صفنا يكون أحسن!
لم يستطع وقتها الاعتراض..
وأيضاً مسئول في المحافظة هاتفه بعد أن تلقى الخبر من المديرية.. ليخبره أن بالغد سيرسل الجيش دبابات وجنود للسيطرة على أحوال الموظفين المنفلتين في المحافظة ككل, وسيرسل له بعض العساكر..
يخبره المسئول:
"كل من قام بمظاهرات فئوية بعد الثورة كانوا يلعنونها حتى وقت تنحي "مبارك".. ثم بعدها أرادوا قطف ثمارها قبل أن تنضج كأي حيوانات جائعة! لكن العيب مش عليهم, الجيش في ايده إنه يخلص الأمور بدري.. بس مش عارف الاستهبال اللي بيعمله ده ليه ولحساب مين؟؟"
..................
"دلوقتي بقى لما أفتكره..
من كسفتي بقول مش فاكره.."

.................
في صباح الغد يذهب المدير لمدرسته.. ليجد أمام بوابتها على اليمين بعض البلطجية منتفخي الأجساد.. وعلى اليسار ظابط جيش مع بضعة عساكر..
يفسحون الطريق للمدير لكي يعبر.. ولم يفتح أي طالب فمه في ذلك اليوم.. أو بعده!
........................
"مع إنها نهاية عادية.. م أنا عاشق زي كتير.."
...................


هناك 9 تعليقات:

المتمردة هبة يقول...

هو فى حاجة حلوة كدة ..
بجد اختيارك للموضوع فى منتهى الروعة ..
و للاسف هو دة الواقع ..

شريف القاضى يقول...

أنا متفق تماما معاك فى جزئية التظاهرات الفئوية التى إنتهزت نجاح الثورة بشكل متبجح بعد أن أنكرت فكرة الثورة من الاساس ..
لكن مختلف على نهاية القصة بالاستعانة بالبلطجية ...لان تصليح الخطأ لا يكون بخطأ أخر .... رغم علمى التام بأن الاحداث فى القصة قد لا تكون رأيك الشخصى ...
دمت دائما بكل ود ..

Unknown يقول...

إنت بتعرف تكتب قصص يا عاشور أكتر من أي حد تقريباً ..!!!
القصة جميلة للغاية .. و بها مساحة جيدة جداً للتفاصيل .
برافو يا عاشور .. برافو جدا :)

Mona يقول...

عندى إحساس بالحزن مش بيروح :(((

آخر أيام الخريف يقول...

مش ممكن يا عاشور ... مش ممكن ...بجد ما شاء الله عليك انت مبهر

adel يقول...

عاشور !!!
حلوة كيك يخربيتك ياعم

بحب النهايات الواقعية مش الخيالية :)

غير معرف يقول...

طريقة أحمد خالد توفيق الاثيرة .. أغنية أو قصيدة وبتكتب منها بيت كل ما بتسرد بعضاً من قصتك .. مثير فعلاً.

غير معرف يقول...

انا كنت عاشق زي كتير.. اول حاجه شدتني.. محمد محي طبعا.. اللي كان السبب بمعرفتي الجميله بيك يأحمد.. ومن ساعتها وانا حبيته اكتر..متابعه كتاباتك في صمت.. برافو ياحمد.. m

غادة يقول...

جامدة أوي :)