محتوى المدونة لا يناسب من تقل أعمارهم عن 17 سنة !! (مش أنا اللي بقول)

OnePlusYou Quizzes and Widgets

Created by OnePlusYou - Free Dating Sites

سـِفـْرْ عـَاشـُوريات

13‏/09‏/2014

صداع عنقودي




"فجأة، طائر شبحي ضخم قام بغرس براثنه الثلاثة بمخالبه الغاضبة بعمق بداخل رأسي ووجهي محاولاً رفعي. لا تحذيرات. لا تمهيدات. فقط انطلق فجأة! ألم هائل، قاتل في عيني اليمنى. أمسكت برأسي، تعثرت على الأعشاب، على كمات الأشجار حتى وصلت لملعب مهجور، ثم، هناك في الظلام، كنت أتوجع، ألهث، أنفخ خدودي بالهواء ثم أطلقه في زفرات قصيرة ملتهبة، ألعق شفتي، أمسح الدموع التي تغرق عيني اليمنى، والبراثن المغروسة في رأسي تحاول أن تقتلع مخالبها من قبضتها الحديدية. بعد ساعة من العذاب، تحررت من المخالب، النوبة ذهبت فجأة كما أتت فجأة. تملكني شعور بالبهجة! لقد ذهب! صداع مرعب، لكنه ذهب!"
فرانك كابرا

..........................

قادني الاستدلال إلى ذلك العجوز، مالك القصر..
كان مهيباً كقصره..
لم يهتم بمصافحتي أو سؤالي عن اسمي وأخبرني بصوت متهدج أن قصره قابع على مساحة 240 فدان، ثم سألني: هل تعلم عدد الكيلومترات المربعة التي تعادل الـ240 فدان؟؟ أخبرته متردداً: لا أعلم ربما 40! ضحك باستهزاء واضح وأخبرني أنه فقط 1 كم مربع! وسار أمامي في مواجهة مدخل القصر المهيب، لم يعطني فرصة أن يبدو الاستياء على وجهي حتى..
يستحيل على أي يد أن تطول مقبض باب القصر الكلاسيكي، لكن الباب ينفتح أمام خطوات العجوز.. في مزج غريب بين الأصالة والحداثة.
السلم كان على بعد خطوات من الباب، بدرجات صخرية وعرة. خلف السلم لاحظت وجود حائط.
وعندما قرأ فكري، أخبرني أن الأمر ليس كما يبدو عليه، فهناك 12 غرفة مستأجرة بالقصر.. وهي جميع غرف الطابق الأرضي. وأننا قد أتينا عبر المدخل الخاص به.
هو يقيم في جناح مسقف كامل يحتل السطح بأكمله، يقيم بجناح مساحته تقارب الـ 1 كم مربع! اللافت للنظر أني لم ألحظ أحداً من المستأجرين وكأنهم أشباح.. كما أنه لم يكن هناك خدم أو مساعدين في جناحه الذي يبدو كـَ مدينة صغيرة، توقعت أن تفاجئني وسائل ترفيه أو بهرجة وزخرفة في جناحه الذي ليس له باب، لكن كل شيء كان مصمت.. مجرد ستائر قاتمة وجدران.
كلما نطق العجوز وددت لو سألته مائة سؤال لكن عينيه لم تتح لي الفرصة..
لم أقو على سؤاله أين سأمكث إن كانت الغرف جميعها مستأجرة، وازداد يقيني أنه يمارس بعض السحر أو الأعمال سفلية. الفضول والرعب يقوداني..
الغرفة الواحدة تتجاوز مساحتها الـ 80 متراً، بكل واحدة منها ركن للمطبخ وركن للحمام، أما الخروج منها وإليها فعن طريق سلم أسفل وسط الغرفة يـُغلق بما يشبه غطاء البلاعة الضخم وهي لا تفتح إلا ببصمة يد المستأجر الذي يدخل\يخرج منها\إليها عبر درجات عصرية إلى مخرج خاص به في حديقة القصر. وكأنها محطة مترو مصغرة، هو لا يريد أن يحتك المستأجرون ببعضهم، يخبرني أن الجدران عازلة للصوت، الأسقف مرتفعة جداً، كل غرفة مستقلة بذاتها، لا يوجد أي اختلاط بين سكان غرفة وأخرى. ثم يتركني أتخبط متأرجحاً داخل عقلي بعد أن يخبرني أنه لا يأخذ مقابل الإيجار، بل يتحمل أيضاً مصاريف إقامة المستأجرين من غذاء وشراب ودواء وملابس وترفيه ومصروف يد أيضاً!
فقط الشرط الوحيد أن يكون المستأجر مـَرضـَّي عنه!
هل يكون جماعة سرية؟ له إتجاه سياسي معين يختار مستأجريه على أساسه؟؟ جماعة دينية؟؟؟
السطوح محرم على جميع المستأجرين، هم لن ينجحوا في الوصول إليه من الأساس.. وهناك شرفة لكل غرفة تبزغ بين حوائط خرسانية ممتدة كيلا تبدو ظاهرة للشرفات الأخرى..
الاستقلالية.. الآمان التام.. الحماية الدائمة..
"تلك هي مسئولياتي التي عاهدت الله عليها تجاه المستأجرين."
يخبرني أنه يعشق النظام والترتيب والمراقبة والزعامة..
يقبض على يدي، فـَ ارتجف.. يسحبني إلى الداخل كطفل ساذج في حواديت الأطفال التحذيرية، ، يجذب واحدة من الستائر المرعبة، عن غرفة تبدو كقاعة سينما..
12 شاشة موزعة على السقف، أسفلها مقعدان كبيران وثيران.. يخبرني أنه قد حان الوقت الآن كي أتعرف على قاطني القصر، هناك ريموت في يده يبدو وكأنه ظهر فجأة، يضغط، تنطفيء 10 شاشات لتظهر شاشة على الحائط في مواجهتي، الرؤية واضحة جلية أمامي، الشاشات السقفية جميعها انطفئ إلا اثنتان، واحدة انتقلت على الحوائط في مواجهتي، والأخرى لا تزال على السقف، أعلى رأسي.. تعرض شخصاً نائماً على السرير وهو يتلوى.
أتملص من يده. يخبرني أنهم يعلمون ولا يعترضون!
-لا يعترضون؟! مقابل المال؟؟ لو قدر لي أن أقيم هنا لفترة فلن أسمح بهذا ولو بأموال الدنيا!
يطلب مني في برود أن أجلس على المقعد، خلفي.. وهو يجلس على الآخر، بجواره..
...............................
الغرفة الأولى
"أيمن"

أشاهد في الغرفة الأولى طفلة ورضيع وشاب ثلاثيني مرتبك يهرول بينهما..
"هذا يدعى (أيمن)، لو تعلم عن متلازمة اسبرجر، فـَ أيمن مصاب بها"
الفرق بين الطفلين يبدو كعامين..
"متلازمة اسبرجر هي نوع مخفف من مرض التوحد، يتعامل المصاب به مع العالم الخارجي بصورة يشوبها ارتباك ملحوظ مع حذر وخوف شديدين"
كان "أيمن" يغير الحفاضة لرضيعه الذي أخذ يرفرف بأطرافه فرحاً بعريه بينما الطفلة كانت تهرول وهي تحمل بالوناً يفوقها حجماً، تقع فتبكي فيهرول خلفها الشاب ليحملها..
"من مظاهر المرض.. غياب أو ارتباك لغة الجسد، التحرك بشكل أخرق، والمبالغة في إظهار المشاعر سلباً أو إيجاباً.."
الطفلة يبدو عليها التألم الشديد، لا تنفرج شفتاها عن ابتسامة ثم ضحكة إلا عندما يحملها الأب الشاب ثم يقبل ساقها المكتنز، الطفلة تشير إلى قدمها طمعاً في قبلة أخرى، فيضحك "أيمن" وهو يقبلها ثانية، الطفلة تحتضن والدها والرضيع ينطلق في البكاء وهو يركل بقدمه الحفاض القديم..
"اسبرجر هي حالة لا تتنافى مع الإبداع والشهرة، هناك مشاهير لديهم تلك المتلازمة، أشهرهم طبيب الأطفال النمساوي هانز اسبرجر مكتشف المرض نفسه."
تتبعثر محتويات الحفاض على السرير.. الأب يخطو إلى السرير حاملاً ابنته، الطفلة تشير بسبابتها لأخيها الرضيع أن يصمت ويكف عن الصراخ، تلك الحركة التي يبدو أن والدها اعتاد على توجيهها إليها لتتوقف عن الصياح حين يكون الرضيع نائماً..
"هي متلازمة أعظم المشاهير بلا منازع لو توخيت الدقة، ربما يمكننا القول أنها قد تكون ضرورية من أجل الإبداع والشهرة، هناك حالات تم تشخيصها مؤخراً لراحلين وفقاً لأعراض مثل تفسخ العلاقات الاجتماعية وبغض الناس أو عدم الاهتمام بهم أو السخرية منهم وعدم القدرة على مجاراة اهتمامات القطيع أو حتى لمجرد ارتباك اللغة أو لغة الجسد على الخصوص.. بيل جيتس، اينشتاين، ستانلي كوبريك، مارك توين، برنارد شو، مايكل جاكسون، تيسلا، جراهام بل، هنري فورد، اديسون، نيوتن، دافنشي، توم يورك، مايكل أنجلو، روبين وليامز، شكسبير، جين أوستن، والت ديزني، هتشكوك، هانز أندرسن، موزارت، جورج أورويل، بيتهوفن، لينكولن، بوب ديلان، وودي آلان، جمال حمدان، وعمرو دياب"
"أيمن" يبدو عليه الارتباك، يتصبب منه العرق وهو يضع الطفلة أرضاً على قدميها ويخبرها ألا تقترب من السرير متسخ الملاءة وهو يحمل الرضيع عاري المؤخرة إلى الحوض في ركن الغرفة، ثم يعود به ليضعه على الكنبة ويحضر من درج مكتبه أقلام تلوين وكراسة رسم يضعها أرضاً للطفلة وهو يطلب منها أن ترسم..
"يمكنك أن تكمل القائمة بنفسك لأي شخص تراه لا يتحرك\لا يتحدث بصورة جيدة نتيجة ارتباك أو خوف أو احتقار أو عدم اهتمام بالآخرين.. شخص انفعالاته واضحة ومحددة وثقيلة، اعتقد أن أي شخص لا يتميز بالقدرة على المراوغة مصاب بتلك المتلازمة."
"أيمن" يطبق ملاءة السرير بحرص ويضعها على الغسالة الصغيرة وبسرعة يقفز كحارس مرمى أسفل الكنبة ليتلقى الرضيع على ساعده قبل أن يلامس الأرض بعد قفزة مفاجئة ومبكرة على أشهره، يطمئن عليه وهو ينهي ابنته عن وضع أقلام التلوين في فمها وإلا سيعاقبها بمنع عصير التفاح عنها..
"اسبرجر يمكن اعتباره مرض انعدام (اللحلحة) بالصورة البلدي.. واحد (مش حرك) مش بيعرف يحور ولا يمثل ولا يصيع.. هم من سيخبروك بالحقيقة.. داروين لم يكن ليخبرك بحقيقة التطور لو لم يكن مصاب بتلك المتلازمة. بوب ديلان لم يكن ليفجر ثورة أغان شعبية ثورية في مجتمع رأسمالي استهلاكي لولا أنه أراد أن يغني كما يريد، هتشكوك الذي يرعبك كطفل سمج! وودي آلان وهو يثرثر بأريحية، كوبريك وهو يعيد مشهد من أفلامه لمائة مرة! توم يورك وكلماته المدهشة ورقصاته العجيبة بعينه المفقودة، أورويل فاضحاً الأنظمة السياسية، نيوتن الذي لم يأكل التفاحة، روبين وليامز الذي أضحكنا ثم انتحر، هانز أندرسن أعظم من كتب للأطفال، مايكل جاكسون واستعراضاته الإعجازية، اديسون واختراعاته الآلاف، بيل جيتس ببساطته التي صنعت المليارات، عزلة جمال حمدان التي أخرجت عبقرياته"
"ستجدهم منعزلين، منطويين، لا يقفون في طوابير الانتخابات ليقولوا نعم أو لا.. ولا يشتركوا في مظاهرة دينية لاستعادة حق الله المسلوب، ستجدهم مبدعين.. منتحرين.."
كنت أتابع تلك المشاهد وكأني أشاهد فيلم أكشن لاهث، تارة ابتسم وتارة أحزن وكدت أندفع نحو الشاشة للحاق بالرضيع قبل أن يسقط، كانت أفكاري تتبدل كل جزء من الثانية أثناء تلك المشاهد.. بين "ما أجمل الأطفل" و"ما أسخف الأطفال".. ولم ألتفت لكلام العجوز المخبول حول ذلك المرض الغريب وثرثرته التي أفقدته بعضاً من هيبته..
تجاهلت ضحك وصراخ الأطفال وأنا أنظر بجانب بصري إلى تعبيرات وجه العجوز الذي صمت قليلاً وهو يتابع هذا المشهد بجواري..
يخبرني أنه لم يرَ أحداً يعشق أطفاله بهذا الشكل مثل "أيمن" لدرجة أنه استقال من وظيفته وسخر حياته لرعايتهما.. يتنزه بهما، ينظفهما، يطعمهما.. لا يتركهما لأي إنسان.. لا توجد لديه نزوات نسائية، لا أصدقاء.. هو لا يؤمن إلا بـِ اَبنائه.. إن أخبرته عن جمال طفلية سيخبرك "الله أكبر".. رغم أنه لا يعنيها لكنه لا يترك احتمال 0.0000000000000000001% أن يصابا بالحسد..
"(أيمن) مصاب بمتلازمة اسبرجر مع اضطراب قلق.. هو شخص لطيف جداً لكنه لا يحسب أموره بتعقل عندما يغضبه أحدهم.."
كنت أريد أن أسأل.. هل "أيمن" من صلة دمه؟؟ هل العجوز لم ينجب وعطف على ذلك الشاب بطفليه؟؟ وأين زوجة أيمن؟؟ أم الطفلين؟؟
"حسب التشخيصات الرجعية، هتلر ونابليون والإسكندر الأكبر كانوا مصابين بتلك المتلازمة والعديد من القتلة المتسلسلين أيضاً، أشهرهم جيفري دامر الذي كان يسلخ ضحاياه ويحتفظ بهياكلهم العظمية"
ذلك العجوز المزعج!! سألته: وأين زوجته؟؟
يضع يده في جيبه..
"(أيمن) منحدر من عائلة لا تحترم النساء، وهي كانت مزعجة متطلبة.. فـَ قـَتـَلـَها. أنت تعلم بالطبع أمور النساء المزعجة على غرار أن الصمت يعني (انت بتحب واحدة تانية؟) يخرج يده من جيبه ثم يلقي ببضع حبات لب في فمه.."
"الآن، سنشاهد الغرفة الثانية"
......................
الغرفة الثانية
"حاتم"

يخبرني أنه لم يرَ أبداً طوال حياته عاشقين مثل حاتم وزوجه..
كان "حاتم" يمارس الجنس مع زوجته.. في نعومة وكأنه يعزف على جسدها..
"لم ينجبا أطفالا.. الاثنان لا يهتما بتلك المسألة.. هي عاقر لم ولن تنجب وهو أقسم لها أنه كان لا يريد الإنجاب أصلاً حتى لا يحتل أحد غيرها جزء من قلبه، هو لا يريد من الدنيا إلا أن يحبها فقط.."
"يستيقظان معاً، يقرآن معاً، في النوم معاً، في الطعام معاً، حتى عندما يريدا شرب النسكافيه بنصف ملعقة سكر على غير المعتاد يتناولاه معاً، وليس هناك تمثيل أو نفاق.."
رغم جمال تلك المشاهد إلا أن هناك بعض الاشمئزاز من اقتحام الخصوصية..
"لا أعرف اسم زوجته، أدعوها بـِ (مدام حاتم) وهي سعيدة بهذا.."
تسمية الأنثى بـ اسم زوجها شيء يغضب النسويات جداً، ويغضب أيضاً الطبقات البسيطة التي تحول لقب المتزوجة فيها إلى "العيال"..
"وكأنهما تحولا لكيانٍ واحدٍ، كانا رائعين كـَ ذكر وأنثى بلهارسيا يسبحان في أوعية شاب قروي ساذج.."
"هواية حاتم المفضلة أن يراقبها وهي تمارس فعل التفاصيل صغيرة كنظرة جانبية أو تنهيدة أو مشاهدتها وهي نائمة، أذكر أني تأثرت كثيراً حين كنت أراقبه وهو يراقبها وهي نائمة، كنت أحاول أن أقرأ عقله وهو ينظر إليها وهي نائمة وهو يبتسم.. كان وجهها هو الوداعة ذاتها فلم يستطع مقاومة أن ينهال على وجهها بالقبلات، وقتها استيقظـِت بأجمل ابتسامة رأيتها في حياتي"
وهنا لم أستطع أن أمنع نفسي، فسألته: "وكيف يسمح بهذا؟؟ كيف يسمح أن تشاهده وزوجته في هذا الوضع؟؟"
يخبرني بلا اكتراث: "كما ترى.. الحواديت الرومانسية الجميلة مملة جداً، لذا سننتقل إلى الغرفة الثالثة"
............
الغرفة الثالثة
"مجدي"

الغرفة منظمة جداً، وتبدو خالية..
"آه، إنه موعد ذهب (مجدي) للطبيب لمتابعة علاج أمه، بعدها سوف يذهب بها إلى طنط فيفي لكي تضع أم مجدي في يد ابنة فيفي 200 جنيه كعدية تخرجها من الجامعة وكعربون وصال بين السيدتين طمعاً في أن يتزوج مجدي من ابنة فيفي حتى تضع أم مجدي جسدها المكتنز في فستان بيلمع وهي بجواره على ممشى الفرح مع ابنة فيفي وابتسامة ثابتة على وجهها ستجعل وجهها يؤلمها فيما بعد.. وستصاب بهياج الغيرة حين تشعر أنه يحب زوجته لدرجة أنها ستتسبب في حدوث مشاكل بينهما وبعدها ستفعل المستحيل لكي تعود المياه لمجاريهما.. ستتأرجح حالة أم مجدي مع ولدها بين"انت ازاي سايب مراتك تعمل كدة.. انت مش راجل؟!" و"انت ازاي تعمل في مراتك كدة.. حرام عليك".. مجدي يعلم كل هذه الأمور جيداً، لذا سيتشاجر مع أمه اليوم لأنه سيوصل أمه إلى طنط فيفي وابنتها ولن يصعد معها بحجة أنه سيقابل صديق قريب من هنا سبق وتوفي منذ عامين."
سألته: هنا يعيش مجدي مع أمه؟
يخبرني أني عبقري!
........................
الغرفة الرابعة
"داود"

شابان مستلقيان على السرير، أحدهما يحتضن الآخر..
يخبرني عن "داود" وصديقه.. ليسا شاذين أو مثليين كي لا يرجمنا الليبراليون بالحجارة، إنهما فقط أصدقاء منذ الطفولة.. كلما لاحت علاقة عاطفية مع أحد المهابل لأحدهما قام الآخر بإفسادها كي لا يضيع عنه صديقه الوحيد..
"لكن لا تقلق.. فمع العلاقة العاطفية القادمة لداود سيحدث الفراق بين صديقي العشرين عاماً!"
أخبره متحسراً: سيخسر صداقة 20 عاماً!!
"الصديق هو من سيفعل، سيغازل فتاة داود من خلف ظهره ويهرب معها.. ربما لهذا السبب لم أسميه ولم أهتم بـِ اسمه.. هو فقط حتى الآن (صديق داود)"
"أنت تعلم أن الصديق ليس إلا عدو بيستهبل.."
من هذا الرجل؟!!
........................
الغرفة الخامسة
"ممدوح"

شاب يصنع رسوماً هندسية على مكتب غرفته، يبدو أنه منهمكاً بشدة..
"هذا "ممدوح"، لا ينام أكثر من ساعتين يومياً، مدمن عمل.. رغم أنه ليس في حاجة لمال لكنه يعشق العمل"
علاقاته طيبة بكل الناس.. وكأنه ليلى علوي في مسلسل رمضاني!
العمل يتطلب علاقات، والعلاقات تريد لساناً طيباً، موضحاً، لبقاً، مجاملاً..
يبدو كموديل، مهووس إعلانات، لا يدخر شيئاً.. يرتدي الماركات العالمية.. "ممدوح" عبارة عن إعلان لألف منتج..
غسول فم ومعجون أسنان ماركة ثيرابريث، فرشاة أسنان فيليبس الكهربية القابلة للشحن، منظف اللسان دكتور تانج، خـِلال أسنان دينتيك فلاس، مكعبات الاستحمام الفوارة فيليج، شاور جل ناو، صابون سائل سيتافيل، مزيل عرق ومضاد تعرق ديجري، عطر ون مليون، مجموعة مرطبات جلايتون للوجه والكعوب والكيعان، منعم شعر وشامبو وين، زيت قبل الحلاقة آرت أوف شافنج، ماكنة حلاقة براون الكهربية القابلة للشحن، لوشن كلابمان بعد الحلاقة، واقي شمس سكينكيوتيكالز، الموبايل واللاب توب ومتشابهاتهما تتبدل كل عام، القمصان والبناطيل من ليفيز، البوكسرات من كالفن كلاين، البولو-شيرتز من لاكوست، قمصان البدل من هنري سيجال، الجوارب من جولد تو، البـِدَّل من برادا، الأحذية......
أقاطعه: هلا كففت عن هذا التعقيد، لم اتعرف من كل هذا الهراء إلا على اسم أو اتنين، ألا تلاحظ أني استخدم جل هيركوود؟!
أقرب شعري من أنفه، "ألا تشم رائحته؟"
يخبرني أن "ممدوح" عندما أتى إلى هنا وقبل أن يتملكه شيطان العمل والمنافسة كان يريد أن يبتاع مزيل عرق ماركة ديودرنت!
هو الآن شخص آخر، شاب طموح، منبهر بالإعلانات والتذويق والتجميل والبهرجة واللمعان..
يؤمن أن أهم قاعدة في العمل أن تدع عطرك ومظهرك يتحدثان عنك أولاً..
عملية تثبيت الزبون..
هو إله إعلانات يسير على الأرض..
آلاف الجنيهات وتطور ملايين الأفكار الإعلانية يحملها هذا الشاب على جلده..
ستسخر منه، ستهزأ من تفاهته .. لكنك لا تملك إلا أن تنبهر به عندما تراه..
سيصيبك برهاب من نوع "الآخرون الواثقون المعطـَّرون مزيفون، لكني ساخر وامتلك الحكمة لأني فقير أو كسول"
أقول: "في النهاية هو يقيم في غرفة 80 متر، وهذا شيء منحط جداً وفقاً لنمط حياته. هلا انتقلنا للغرفة التالية.."
...........................
الغرفة السادسة
"خالد"

كان يرسم..
"خالد فنان وأديب، لا ينشر أعماله"
يكتب أشياءً يقرؤها هو، وتجده يضحك ويبكي على أشياء كتبها..
تارة وجدته يتشنج أمام لوحاته..
مدخن شره.. لم يحلق شعره منذ سنوات..
يكتب سيناريوهات الأفلام ويقوم بتمثيلها مع تغيير نبرة صوته مع كل شخصية وفي النهاية يصفق لنفسه!
هو لا يسعى أن يصل بأفكاره للعلن.. ولا لإنسان واحد حتى!
ربما لو وثق في شخص واحد وقرأ له أعماله، لتحمس أن يصل له بها للنور..
أسأل: "ولماذا لا تفعل أنت؟"
أقول: "أنا لا أتدخل في حيواتهم إلا لإنقاذها!"
لا يكتب أو يرسم إلا ويده الأخرى تقوم برسم أشياء في الهواء كأنها مايسترو ليده العاملة كي تؤدي دورها على أكمل وجه يرضيه..
حتى عندما يرضى عن عمله يقوم بحرقه في النهاية..
كأنه لا يستطيع أن يعيش إلا بشم حريق حبر عقله..
أتساءل عن هذا الجنون الرافض للشهرة..
فيسألني..
لماذا يكره (باتريك زوسكند) الكاميرات والصحافة والثرثرة؟
لماذا قام كافكا بإحراق 90% من مؤلفاته؟
لماذا انتحر هيمنجواي بعد نوبل؟
كيف ينتحر كاتب جملة الأطفال البسيطة العبقرية "سكر مرشوش في طبق منقوش العبوا مع بعض ماتتخانقوش"؟؟
لماذا لا يكتب جيمس جويس إلا وهو يرتدي معطفه الأبيض؟؟
كيف أبدع نجيب محفوظ إبداع إعجازي وهو موظف حكومة ملتزم؟!
لو لديك إجابات على هذه الأسئلة.. فيمكنك تفسير ما يفعله "خالد"..
لديه طن من الأمراض النفسية، غير متسامح.. يكره الناس بشدة، يعاملهم جميعاً باحتقار.. كما أنه لا يهادن ولا ينافق.. في صراعاته مع العالم الخارجي لا يدرك جيداً اِمكاناته ولا يتصرف على ضوئها.. أكثر من مرة كاد أن يـُقتـَّل أو يسجـَّن بسبب مشاجرات أشعلها بهدف تأديب البشرية المنحطة على حد قوله..
لا يترك حقه أبداً، وقته موزع بين الكتابة والرسم وتأديب البشر.
بالأمس سبه أحد قائدي السيارات وهو يعبر الشارع، "خالد" لم يكن مخطئاً.. أخذ رقمه وجلب عنوان السيارة من المرور.. وذهب إلى بيته فجراً وقام بتهشيم زجاج سيارته.. يمكنك أن تقول أن "خالد" فنان رائع لا يريد إلا الاستمرار بهوايته وهو يحمل عصا لتأديب الناس.
..................
الغرفة السابعة
"تامر"

كان ظهره للكاميرا، نصف المرتبة على السرير والنصف الآخر مرفوع مسنود على رأسه، يحرك مرفقه وكأنه يمارس العادة السرية..
"عادة تامر السرية هنا هي الاكتناز، يعتقد أني لا أراه.. هو أبخل شخص رأيته.. هو الآن يمارس هوايته المفضلة، عد أمواله"
"تصور أنه يبيع الطعام المجاني الذي أقدمه له، لهذا يفضل الطعام المعلب.. أسفل سريره يكنز الملايين.. إنه مرض لا علاج منه.. مرتبط بالجبن، الخسة، النذالة ويتقبل إهاناتك بصدر رحب طالما ستعطيه مالاً أو ستتنازل عن حقك عنده"
"يتناول أقل الأطعمة، ويتودد للأقارب والمعارف لكي يأكل في بيوتهم ويستخدم أشيائهم.."
"يعتمد على اسم والده الذي كان وزير سابق من عائلة معروفة، الناس تساعده على اعتقاد أنه ابن عزيز ذل، ابن وزير يتعامل كـ َ ابن شحاذ.. مرض نفسي حقيقي لا علاج له."
"لم يهاتف الإسعاف حين التهبت زائدته الدودية حتى أوشكت على الانفجار حتى لا يخسر قروش المكالمة.. حتى تدخلت لإنقاذه. لولا أن الموبايل كان هدية مني وكذلك شحنه الذي يبقيه مستمراً في وضع استقبال المكالمات لأطول فترة ممكنة والشحن المجاني لبطاريته لما حمل واحداً.."
"لا تندهش، فالأسوأ لو كان متزوجاً ولديه أطفال.. سوف تصبح حياتهم جحيماً مرعباً لا يـُصدَّق.."
البخيل يعيش حالة من القلق والخوف والدائمين من المستقبل.. يبدأ معه الأمر أن يدخر أموالاً خوفاً من حدوث مرض يحتاج علاج باهظ.. انتهاءً باعتقاده أن جسده نفسه يتآمر عليه –مثل الآخرين- في إدعاء المرض –ولو كان المرض قاتلاً- وقد يموت لأنه لا يريد أن يصرف قروش بسيطة من أجل العلاج، أغنى سيدة في العالم في عصرها، ساحرة وول ستريت، الأمريكية "هيتي جرين".. لم تكن تستعمل الماء الساخن، لم تكن تبدل ملابسها إلا بعدما تتمزق تماماً، طعامها دوماً من فطائر رخيصة، قضت ساعات لتبحث عن طابع مفقود بقيمة 2 سنت، كانت تغسل البقع المتسخة فقط من ملابسها كي توفر نفقات الصابون، تسببت في بتر ساق طفلها بعد كسر كان يسهل علاجه لكنها أضاعت الوقت في البحث عن علاج بالمجان..
"رغم أني لا أتدخل في حيوات المستأجرين لكني سأخالف القاعدة هنا وسأمنع (تامر) من التفكير حتى في الزواج.. مجرد التفكير."
العجوز يحمل يدي ويملأ راحتها بحبات اللب..
................................
الغرفة الثامنة
"آدم" – "رضا"

هنا زميلان، وضعتهما في غرفة واحدة..
الاثنان ملحدان.. ويشتغلان بالصحافة..
الأول "آدم" يخبر كل الناس أنه ملحد ويؤمن بضرورة إزالة كل ما يمت بصلة للدين تماماً عن المجتمع..
والثاني "رضا" يتبع منهج الإسلام التنويري فتجده يكثر من مصطلح "متأسلمين" ومش هو ده الإسلام"..
الأول في الصحافة الفنية.. الثاني في الصحافة الدينية..
الاثنان لا يؤمنان بأي سلطة دينية وإن كان الأول لا يؤمن أيضاً بالسلطة العسكرية بينما الثاني يقول "قضا أخف من قضا"..
آدم متعاطف جداً مع الإرهابيين لأن عدائه مع الفكرة لا مع أشخاص سذج..
رضا عكسه تماماً..
أي أن تلك الحجرة التي تحوي ملحدين.. تحوي معهما أيضاً تعاطفاً مع الإسلام ومتطرفي الإسلام..
أيدلوجية "آدم" التي تعادي الفكر الإسلامي نابعة من أساس إيمانه بإطلاق الحريات.. وهذا ما يراه "رضا" تناقضاً في فكر صديقه! كيف تؤمن بالحريات وترفض من يريد أن يقتنع بفكرة معتدلة ولو بعيدة عن الدين المتطرف الذي تراه لكن المؤمن بها يراها عقيدة أصلية.. فيجيب آدم لأنه سيعود للتراث وسيعرف ما الذي سيطلبه منه دينه صراحة، فيرد رضا هذا لو طبعه أصلاً همجي سيء وقتها سيتقبل الإيمان بالنسخة الهمجية من الدين وربما يمارسها أيضاً.. نحن لدينا طبيعة جينية غريبة –نحن شعوب الشرق الأوسط تحديداً- تجعلنا نميل للتخلف والتطرف ولو حتى بغياب الدين! لأن المشكلة في الأشخاص لا الأفكار.. يقاطعه آدم لكن النسخة الأصلية من الدين متطر.. يقاطعه رضا ومن أخبرك أنها الأصلية، الإسلام فيه كل حاجة وعكسها وناس كتير شافوا مواقف من السيرة فيها غباء أو بدائية أو تطرف وملزقين عقولهم على الحاجات البسيطة اللي هي مشتركة مع الأخلاق في العموم وشكراً..
"استمتع كثيراً بنقاشاتهما البناءة.. أحياناً أجد آراء الاثنين مقنعة جداً.. أعجبني آخر نقاش بينهما خاصة حين احتد السجال بالأمس فقام "آدم" بتهشيم كوب زجاجي على رأس (رضا).. الشباب!"
.....................
الغرفة التاسعة
"عمرو"

ثريسوم جنسي بين شاب وفتاتين..
هذا "عمرو" مدمن نساء، لا يهوى العاهرات، يعتقد أن أكبر تحدي لمهارته هو (تظبيط) "بنات الناس"..
وقته مقسم بين الانترنت (الصيد) ثم الكافيهات (التثبيت) انتهاءً بالسرير (إتمام العملية)
بعد نهاية كل لقاء سريري يذهب لفولدر الأغاني الذي يحتوي على 700 مطرب، ثم بداخل فولدر أغاني شفيق جلال، يضيف لملف اكسل الاسم الجديد، أو يصحح تاريخ الميلاد (كان يكتب العمر لكنه استبدله فيما بعد بتاريخ الميلاد لأنه ثابت)، الدراسة\المهنة، السكن، اللون، الطول، الوزن، الجنسية، الختان، حجاب\نقاب\بدون، علامات مميزة، ذكرى مميزة، عدد المرات، مكتمل أم غير..
"عمرو" مصاب بإدمان الانترنت وإدمان الجنس..
يتعامل كأنه نبي مكلف برسالة مضاجعة أكبر عدد من الفتيات..
اليوم هو يحتفل بقدرته على تظبيط فتاتين في نفس الوقت.. اِحداهما تمارس الجنس للمرة الأولى معه والثانية ليس لها سوابق في العلاقات الجنسية إلا معه..
كنت أتابع نهود الفتاتين المتأرجحة والعجوز يخبرني "(عمرو) شاب ساحر ولا يقاوم..آ" العجوز ينظر على حجري، فأصاب بالخجل وأنا أميل للأمام.. العجوز يقول:
"لم تهتز ثقته بنفسه إلا عندما صادف فتاة مصابة بـِ (الكوبروفيليا).. كانت تريده أن يتبرز في فمها قبل أن يبدأ في تقبيلها!"
من قال أن انعدام الثقة بالنفس معدٍ؟ أعود ثانية لفرد ظهري على المقعد..
.....................
الغرفة العاشرة
"أمير"

أما أمير فهو ملك الكيف هنا..
لم يظهر مخدر في العالم إلا وجربه..
قطعة أفيون أفغاني تستقر بين الضروس، قات يمني للمضغ، دخان حشيشي لبناني من سجارة أو متصل بمسند سجارة مثقوبة محشورة في كوب عليه بطاقة الرقم القومي لتمنع هروب الدخان، أدوية السعال التي تحتوي على المورفين بمشتقاته، الترامادول الصيني، مجموعات البينزوديازيبين المضادة للأرق والقلق الشهيرة بأبوصليبة، مضادات الشلل الرعاش المسببة للهلوسة، بانجو، هيروين بأنبوب شد أو بـِ شمه محروقاً على فويل أو حقنه بالليمون (بيسة)، الكوكايين والأمفيتامينات بأنواعها، الـ LSD والتأرجح بين هلاوس سياسية كـ "الثورة مستمرة" أو "مرسي راجع" أو "متلازمة مش أحسن ما نبقى سوريا ولا العراق" أو "مصر أم الدنيا".. أو هلاوس دينية كـَ "تأليف ديانة"\"تبادل الحديث مع الرب أو الملائكة" كهلاوس "جيم جونز" التي مكنته من إقناع 900 فرد بـِ الانتحار الجماعي للقاء الرب في الملكوت، مروراً بهلاوس علمية كـَ "السفر إلى عطارد على ظهر كلب بحر" أو هلاوس منطقية كـَ انجاب طفل بدون علاقة زوجية.. الطفل الآن هو يراه على سريره، كبر ما شاء الله وصار من عمر إدمانه لشم البنزين والسولار والغاز وطلاء الحائط وشم الغراء الشهير بشم الكـُلة Glue Sniffing.. ذلك التي يؤدي إلى طفح جلدي خطير لحسن الحظ أنه لا يظهر على أجساد أطفال الشوارع الجالسين على الرصيف بين مطعم القزاز وميدان طلعت حرب من كثرة طبقات الأتربة والطين العازلة المحيطة بهم..
"أمير" لا يفعل شيئاً إلا أن يطمئن على طفله الذي يقود طائرة حربية على السرير ثم يذهب للحمام لمتابعة آخر تطور اختراعات الأطفال العسكريين المصريين.. مثل اختراع يخليك تشخر وانت ساكت..
جنته الحقيقية أن يعيش منتشياً بصورة دائمة.. هو الآن ملك درب التبانة بلا منازع!
....................
الغرفة الحادية عشر
"شعبان" – "وليد"

"الزميلان (شعبان) و (وليد) وضعتهما في غرفة واحدة.."
"الأول صبي، شكله يفوق عمره بـ5 أعوام على الأقل، مدمن رياضة وحفاظ على الصحة، يريد أن يعيش لأكثر من مائة عام، مثله الرياضي الأول هو الصحفي "هيكل"! لا يتناول فتفوتة طعام إلا بمعرفة حساباتها وسعراتها الغذائية بكل دقة.. يحسب كل شيء بالورقة والقلم قبل تناوله.."
"طموحه أن يلتحق بوظيفة سيادية.. ظابط جيش، ظابط شرطة، أو أمين شرطة حتى..
هو يؤمن أن أكثر من 99% من الشباب في مصر يطمحون في الوصول لمهنة سيادية ولو اِدعوا العكس (متى يجعلون الإجابة النموذجية لسؤال كشف الهيئة لماذا تريد أن تصبح شرطياً ..عشان أتنطط ع الناس يا فندم وأطلع ميتين أبوهم)، ونسبة 99% ممن يسبون الأجهزة الأمنية ستجدهم موزعين بين ناشط تم رفضه من الالتحاق بها.. أو ناشط آخر والده سجن في قضية أموال عامة أو مخدرات فأصبح ملفه العائلي ملوثاً.. ناهيك عن السبوبة المغرية للعداء مع الأجهزة الأمنية.."
"(شعبان) سيتم قبوله هذا العام في كلية الشرطة، سيتحقق حلمه أخيراً"
"سوف يستطيع أن يجرد ذلك الشاب الوسيم الهاديء من رجولته وهو مع زوجته في السيارة بتهمة أنه متزوج شابة جميلة وهذا قد يجعله –لا سمح الله- يشعر أنه أفضل منه.."
"سوف يتقاسم الأموال مع (حموكشا) بلطجي المنطقة الذي يخطف موبايلات وحقائب الغرباء وهو ينطلق بالموتوسيكل.."
"(شعبان) سيصير ظابط شرطة مثالي.. القاعدة في الداخلية تقول أن الظابط الذي تكثر حوله شكاوي المواطنين –غير المسنودين- يعني أنه شايف شغله كويس وهذا قد يؤهله للترقية.."
"سيغضبه بائع متجول، سيطلق عليه النار في وضح النهار وتحت رقابة كاميرا ما.. لكن.. لماذا المقتول (بيسوق فيها) وينزف دماً وقت التعرض لطلق ناري؟! هلا أريتني صورة مسدس يحمله ظابط؟ مممم ومن أدراك أنه الظابط؟ هل لأنه يرتدي ملابس الظابط؟؟ هل الصورة والمشهد واضحان بنسبة 100% بجودة 4K؟ ومن أدراك أنه يحمل مسدساً حقيقياً؟؟ ولم لا يكون هذا فوتوشوب؟؟ وهل أطلق منه الرصاص؟؟ ممممم ومن أدراك أن الرصاصة التي انطلقت حقيقية ولم تكن مجرد صوت أو دخان؟ وهل أصابت الرصاصة القتيل؟ ممممم ومن أدراك أن القتيل قـُتـِل برصاص الأمن لا رصاص البلطجية؟ وليه مايكونش خد فلوس عشان يموت؟ ثم انت هتعترض على قدر ربنا؟؟ تنكر إن موته كان مكتوب ومقدر وبنفس الطريقة؟؟ ومش لو كان نايم في بيتهم كان لازم ينزل وقتها عشان يموت بالرصاص عشان ينفذ مشيئة الله؟؟.... وسيخرج براءة بالطبع.. ربما سيصير بعد سنوات وزير داخلية وطني ومخلص في مكافحة الإرهاب في الوقت الذي يعتبر فيه الشيخ الحويني رجل دين أصيل ومحترم.."
"أما (وليد) فهو في ملكوت مع نفسه.. لا يفعل أي شيء.. هو يعيش على طراز (فيلم حلو في التلفزيون هشوفه قبل ما أنام)، وقبل الفيلم يشاهد أفلاماً أيضاً، وهو يقزقز اللب والفول والكاجو أو يأكل بنهم أي أشياء من التي يمكن قلبها على بعضها البعض من الثلاجة أو يمارس العادة السرية أو يفكر في تأجيل اغتساله لليوم السابع على التوالي.." "نهوضه من كنبته أمام التلفاز شيء صعب جداً جداً جداً.. يشترك في كل مسابقات التلفاز.. كل شباب المسابقات التلفزيونية يعلموا صوته جيداً، خاصة وهو محترف في إظهار الفرق بين صورتين لفتاة شبه عارية.. بالأمس مثلاً تعرَّف (وليد) على الفرق، كان في اتساع الحز المضغوط بين نهديها في صورة عن الأخرى! عبقري بكل المقاييس.. لا يهتم بالسياسة، لكنه يعلم من الرئيس الحالي، لا يهتم بالتدين لكنه مؤمن بالدين المحطوط على أقرب رف ربما يتناوله لو ابتزه به أحدهم، لا يهتم بأي وجع دماغ.. شخص يريد أن يأكل ويشاهد وينبسط كـَ تافه جميل.."
"العلاقة بين زميلي الغرفة على ما يرام، رغم أن (وليد) يكبر (شعبان) ببضعة أعوام إلا أن العكس يبدو.."
"شعبان" يعود من الجـّيم ليفتح الثلاجة عائداً بزجاجة لبن ويجلس بجوار "وليد" أمام التلفاز ويتبادلا معاً أحاديث مسلية جداً أثناء متابعة الفيلم مثل..
-هو ده رشدي أباظة ولا كمال الشناوي..
=لا يا اخي رشدي أباظة متهيألي..
-شكل كمال الشناوي..
=والله ممكن يكون كمال الشناوي..
-شفت مش أنا قلتلك..
وأحاديث أخرى وجودية عن كيف لزوج الممثلة أن يسمح للغرباء بتقبيلها..
.....................
الغرفة الثانية عشر
"رامي"

تنتقل الشاشة من السقف إلى الحائط أمامي..
أخيراً سأرى ما الذي يحدث في تلك الغرفة الغامضة، والأخيرة..
كان الشاب يتلوى على السرير وكأنه يضاجعه مثلما شاهدته أول مرة.. كانت شاشته لا تنطفيء أبداً.. لم تترك لي الشخوص الأخرى الوقت اللازم لتخمين ما الذي يفعله.. بالتأكيد سيكون هارب من مشفى عقلي..
"هذا رامي"
..
..
..
انتظر التكملة، أجده يتابع الشاشة باهتمام ولا يكمل..
العجوز يضغط بسبابته ووسطاه على عرق صدغه الأيسر وهو يتابع..
اسأل: "ماله رامي!"
ذرات رمال تتساقط من السقف على الأرضية بجواري..
"رامي مصاب بِ الصداع العنقودي The Cluster Headache"
أخبره: "كلنا ينتابنا الصداع بين حين وآخر، ما المشك....
الرجل يلف في مواجهتي وهو يهبط على ركبتيه ، يضع كفه على فمي ويصيح: "اخرس!"
المنظر في قمة الرعب.. عجوز مخبول على ركبتيه أمامي، يده القوية تطبق على فمي، والشاشة خلفه، أعلى رأسه تظهر شخص يتلوي في.. ألم؟؟ لم يكن يتألم.. كان يتعذب.
العجوز ينتزع يده من على فمي.. رامي يضرب خشب السرير بقبضتيه المكورة.. يخبط على الحائط بقدمه..
العجوز يخبرني وهو في نفس الوضعية أمامي أنه الآن يحاول التخلص من ألم الصداع بتوزيعه على أطرافه..
ما هذا الجنان!!
"الصداع العنقودي هو الأقسى ألماً في تاريخ كل الأمراض التي عرفتها البشرية!"
"يجب على الحمقى الذين يسمون هذه الأشياء أن يغيروا اسمه لشيء لا يحوي كلمة صداع حتى لا يأتي السذج أمثالك ليتندروا عليه!"
"أقسى محاولة لتعذيبه وهو في هذه الحالة أن تلقي بإبرة على الأرض أو أن تضيء أضعف إضاءة ممكنة.."
الرمال تهبط بكثافة.. هناك أصوات قرقعة قادمة من بعيد..
"رامي" يبدأ الضغط على عينه اليسرى بكلتا يديه..
تنتابني القشعريرة، لو فعلت هذا في عيني لانفجرت بلا شك واصطدمت المقلة بالسقف ثم بالأرضية..
"الصداع العنقودي ليس صداعاً نصفياً حتى.. الصداع النصفي يعتبر زغزغة\تربيت بالنسبة له!"
"صداع يأتي في بؤرة واحدة غالباً خلف عين واحدة.. أنت تشعر بالظبط وكأن هناك سيوف تخترق مؤخرة عينك، أسلاك موصلة بعينك تم توصيل قطبها الآخر بالكهرباء!"
إنه العذاب الحرفي!
يزووم إن على الشاشة بالريموت دون أن ينظر إليها..
كان "رامي" قد أزال كفيه من على عينه وهو ينظر للسقف.. لكن مهلاً
كان جفنه الأيسر متدلٍ بشكل بائس.. الدموع تنسكب من عينه بشكل واضح..
عينه حمراء وكأنها الجحيم ذاته..
"بالتدريج سيتحول منظره إلى مدمن لأي شخص يجهل ما هو الصداع العنقودي"
أسأله: "وهل المرض يأتيه باستمرار.."
"غالبية المصابين به يأتيهم المرض يومياً في شهر أو اثنان بالعام.. 10% فقط يأتيهم بصورة يومية على مدار العام! وقد يأتي على 8 نوبات يومياً.. وقد تتجاوز النوبة الواحدة الـ3 ساعات! لدرجة أنهم أسموه بـ "الصداع الانتحاري".. تلك الحالات ستموت منتحرة أو على الأقل ستموت نتيجة التسمم بمادة الإرجوتامين أو السوماتريبتان المستخدمين في علاجه.. أو نتيجة تفاعلهما القاتل بأوعية المريض!"
شخص كهذا..
لن يمكنه أن يرعى أطفال..
لن يمكنه أن يتزوج أصلاً..
لن يستطيع أن يصل رحمه..
لن يصادق..
لن يمتهن وظيفة..
لن يبدع..
لن يدخر مالاً..
لن يفكر..
لن يقرر..
لن يسطع..
لن يبتهج..
لن يستطيع حتى أن يكون مجرد وغد بشري طبيعي..
لن يمارس حتى أتفه الأشياء..
حجر هائل يسقط من على السقف أمامي، خلف ظهر العجوز مباشرة..
العجوز يكبل حركتي وهو يخبرني..
"ألم العصب الثلاثي، أصعب آلام الأسنان، الألم الناحي المركب، تيبس الكتف، كسر العظام، آلام الذبحة\الجلطة القلبية، الانزلاق الغضروفي، آلام السرطان، القوباء، التهاب المفاصل، عرق النسا، حصوات الكلى والمسالك، التهاب الزائدة الدودية، التهاب البنكرياس، النقرس، بطانة الرحم المهاجرة، قرح الجهاز الهضمي، متلازمة الألم العضلي، التهاب البريتون، التهاب القولون العصبي... كلها لا يقارب ألم الصداع العنقودي."
"النساء اللاتي أصبن بالمرض يخبرنك أنه أقسى بمراحل من آلام طلق الولادة!"
"يقال أن سبب انتحار ألفيس بريسلي كان بسبب جرعة زائدة من المخدر للسيطرة على آلام صداع كهذا.."
الإصابة اليومية بأقوى ألم في التاريخ تؤهلك عن جدارة للموت بالسبب العاشر في أسباب الوفاة.
"رامي" سينتحر.. سيشاهد حياته من على بعد، مجزأة، سيستحلب مذاق كل تفصيلة وكل شق في حياته على مهل قبل أن يهدأ ألمه للأبد..
الحياة أجمل وأقذر من أن تعيشها بصورة خطية.. من أن تعيشها كشخص واحد له خطوات محسوبة.. أنت لست آلة أيها الملعون..
أشعر ببعض الدوار، الغثيان، زلزال.. الصخور تتساقط حولي بشكل أكبر..
أتقيأ بشكل قاسٍ، كأن غرفة قلبية ستسقط خارج فمي مع القيء، العجوز لا يزال صامداً.. الغبار يتكاثف، الحجارة تتساقط.. القصر سيتهدم.
لا مفر من الهرب الآن.

هناك تعليقان (2):

Unknown يقول...

أيه الجمدان دا يا ريس!! سلمت دماغك والعروق اللى بتجرى فيها. <3

محمد السيد محمد موسى يقول...

جميله ده انت لفيت بينا الدائري ورجعتنا مكان ماركبنا في الاخر