محتوى المدونة لا يناسب من تقل أعمارهم عن 17 سنة !! (مش أنا اللي بقول)

OnePlusYou Quizzes and Widgets

Created by OnePlusYou - Free Dating Sites

سـِفـْرْ عـَاشـُوريات

31‏/03‏/2011

عاشوريات.. السابعة في أكثر المدونات تأثيراً في صناعة الثورة!


لفتت نظري مؤخراً المـُدَوِنـَة الصديقة "أماني خليل" أن مدونة عاشوريات موجودة في صورة لرسم بياني لأهم 7 مدونات تأثيراً في صناعة الثورة.. طبقاً لمحرك بحث آيس روكيت للمدونات.. الصورة كانت ضمن "مقال" في الأهرام يشيد بمدونة "جبهة التهييس الشعبية" لــ"نوارة نجم" بصفتها المدونة الأولى الأكثر تأثيراً في صناعة الثورة..
بالطبع سعدت عندما علمت أن مدونتي هي السابعة في الأكثر تأثيراً.. وإن كانت "عاشوريات" مدونة غير إخبارية.. هي فقط كانت محرضة على المستوى الأدبي والفكري عموماً.. وإن كنت لم أحرض على هذه الثورة بطريقة مباشرة, ولم أنخرط فيها إلا بعد حدوثها بيومين.. على أي حال يجب أن أشكر كل
قراء المدونة, وكل من قام طواعية من نفسه بإعادة نشر روابطها على صفحته الشخصية (من فيسبوك أو تويتر.. لا فرق.. فكلنا أخوة).. حقاً أتمنى أن أكتب مقالة شكر كاملة في حق كل صديق دعمني, اِقتربت منه بكلماتي وأفكاري قبل أن نلتقي على أرض الواقع أو قبل أن نتصافح على خلفية موضوع في تعليقات مشتركة الأفكار..
واَعتذر لكل عابر سبيل ساقته الأقدار الجوجلية إلى مدونتي وهو يبحث عن تحميل أفلام فلا يجد إلا نقد لها.. أو من كان يبحث عن آخر ألبوم لــ"عمرو مصطفى" فيجدني أسبه.. أو من يبحث عن قراءة سلفية للإسلام, فيجدني مهاجماً للسلفيين.. أو أي كلمة خادعة -بغير قصد- وما شابه..

بعد ما علمت الخبر.. ذهبت لأتجول في "سفر عاشوريات" الذي يحوي مجموعة من المقولات الساخرة أتناول خلالها أي حدث يمر بنا شرط أن يكون عاماً ومستمراً.. لا حدث طاريء ولا شخصنة..لكني وجدت العديد من المقولات التي كتبتها ضد نظام "مبارك" السابق ربما لأني لم أكن لأتوقع أنه سيرحل أبداً لا بثورة ولا بجن أزرق.. لكني أعتقد أني يجب أن أحذفها من السفر حتى يصبح صالحاً لكل زمان وكل مكان :) (أو ربما تركتها كما هي باعتبارها تأريخ للفترة المباركية من وجهة نظري..) وإن كان ما أخشاه أن أعيد صياغة تلك العبارات لتناسب الرئيس القادم! ..
............................
من المقولات التي سأحذفها..
1
. (*) .. ليه الشرطة بتقبض ع اللي بيفطروا في نهار رمضان؟ عشان رمضان شهر مبارك. (30) وطن
2
.. (*) .. أن تفضل الحزب الوطني لأنه أكثر تحرراً عن الإخوان فكأنك ترفع شعار "الخمر قبل الخبز".. وأن تفضل الإخوان لأنها أكثر تديناً من الحزب الوطني فوقتها لن ترفع أية شعارات لأنها ستكون حرام! (29) وطن
3
.. (*) .. كل الجمال نسبي.. ماعدا "جمال مبارك" طبعاً. (28) وطن
4
.. (*) .. أن تقول: (الـ "بلد" في حاجة لــ "رجل" "ديمقراطي") فأنت بهذا اِخترقت ثالوث الــ دين/جنس/سياسة.. على عكس الترتيب. (27) وطن
5
.. (*) .. يحدث في مصر الآن: فترة التكوين تمهيداً لظهور النطع البضين. (26) وطن
6
.. (*) .. مجلس الشعب بلا شك يمثل مصر كلها.. فبداخله أعضاء.. وبخارجه أعداء. (25) وطن
7
.. (*) .. تكاثر أعضاء مجلس الشعب من الحزب الوطني بهذه الصورة.. يجعلني اَتسائل إن كانت هذه الأعضاء تناسلية. (24) وطن
8
.. (*) .. هل من الغريب أن نجد المطرب الشعبي -صاحب رائعة بحبك با حمار- يعبر عن حبه لأكبر قيادة سياسية في البلد؟! (20) وطن
9
.. (*) .. نَاصرِي اِشتِرَاكِي تَزَوَج سَادَاتية مُنفَتِحَة.. فَأنجَبَا طِفلاً مُشَوهاً.. مُبَارَك! (17) وطن
10
.. (*) .. إياكم واِنتخاب البرادعي, لأن اِسمه جاي من البردعة اللي بيلبسها الحمار.. واِنتو طبعاً عارفين إن أنكر الأصوات هي اللي مش بتصوت لـ مبارك! (16) وطن
11
.. (*) .. حال مصر القادم: كرسي فضي في المترو.. بسرعة واحد قعد.. و3 اِترموا على حجره. (13) وطن
12
.. (*) .. تَجَشَّأ يا أخي.. فَقَد مَضَى عَهدُ الاستِفرَاغ! (12) وطن
13
.. (*) .. إذا الشعب يوماً أراد الخابور.. فلا بد أن يستجيب الشرج! (9) وطن
14
.. (*) .. نعم, من موقعي هذا, سأظل أطالب بحقوقنا في وطن حر.. حتى تفصل بطارية اللاب توب! (7) وطن
15
.. (*) .. رأيت فيما يرى النائم.. رئيس الجمهورية دخل مظاهرة, وظل يهتف: "يسقط يسقط.. رئيس الجمهورية".. راح الناس فرحوا بيه, وشالوه على الأعناق. (6) وطن
16
.. (*) .. عندما يكون توزيع الثروة في مصر قسمةٌ ضيزى.. فلا يدل هذا إلا على أن النظام ضيزه حمرا. (4) وطن
17
.. (*) .. البطل المصري القادم هو من سيطلق الرصاصة.. لا من سيغمس إصبعه بالحبر! (1) وطن
18
.. (*) .. مصر مزنوقة بين فاسد وجاهل. (33) وطن (الآن تخلصنا من الفاسد ويبقى الجاهل!)
19
.. (*) .. خسارة الشباب اللي بينتحروا.. لمَ لا يـُميتوا أنفسهم من أجل هدف نبيل؟!.. مثل قتل مبارك مثلاً؟؟؟.. قتل مبارك من الرب أقصد. (7) ثورة
20
.. (*) .. أصمت كثيراً.. لأن فلسفتي هي الثورة على الثورة.. فما بالك بوجود كل هذا الخنوع\الغباء؟؟ (10) ثورة
21
.. (*) .. لو أصبح العالم كله ضدي.. إذاً فقد تعادل معي! (11) ثورة
22
.. (*) .. رغم كثرة القلوب من حولي, إلا أني أفضل "قلب" نظام الحكم. (9) ثورة
23
.. (*) .. أن تكون مُسَتَبْعَداً أو مُسّتَعّبََدَاً.. ولا خيار ثالث لأي مرشح لرئاسة مصر..
الثورة هي الحل! (2) ثورة
................................

25‏/03‏/2011

"زي كتير.."


..............
قبل..
...................
"أنا كنت عاشق زي كتير.."
...................
يعلم الأستاذ "مجدي بطرس" جيداً أن هنالك متطرفين دينياً في المدرسة الحكومية الثانوية بنين التي يعمل بها في اِحدى مدن الدلتا.. مدرسون وتلاميذ مـُلـَقنين.. لكنه يحاول أن يثبت لهم أن الدين المشترك بين أبناء الوطن الواحد هو المعاملة..
كثيراً ما يكون في اِجتماع مع أحد المدرسين من ذوي اللحى وزبيبات السجود.. ليخبروه أنهم يريدوا الاستئذان الآن لكي يصلوا الظهر.. هم يفعلوا هذا بطريقة خبيثة.. يقولونها وهم يراقبون رد فعله كما سبق للرئيس المؤمن الأسبق -السادات- أن فعل عندما طلب أن يصلي صلاة الإسلام في كنيسة أرثوذكسية.. ولم يهتم بخشوعه في صلاته بقدر اِهتمامه بمراقبة تعبيرات وجه "البابا شنودة" بعد أن أحضر له سجادة لكي يصلي عليها, فعاد السادات ليقول أن وجه شنودة لم يظهر عليه شيئاً لأنه حويط!
الأستاذ "مجدي" يدرك هذا جيداً.. ويعلم طبيعة مجتمعه التي تظهر كمتطرفة أحياناً بسبب فقر مادي أو إفلاس فكري..
لكنه يرى أن منصبه كمدير للمدرسة.. يتطلب منه أن يعلم التلاميذ معنى التسامح.. حتى يدركوا أن الوطن يسع للجميع وأن الإنسان لا يجب أن يهتم بعلاقة غيره بربه.. بقدر أن يقيمه بعلاقته هو معه..
..................
"فقير وبيكي هبقى أمير.."
.................
فمن منا يستطيع شق قلب إنسان ليعرف شكل الله بداخله؟!
فهل إلهك شيطان أم بلطجي أم ديكتاتور أم آلة جوفاء -تقرر الثواب والعقاب وفق بيانات معدة مسبقاً دون أي تقدير للنسبية بين البشر- أم موظف أم موسيقار أم شاعر أم إنسان أم ضمير؟؟
رغم كل هذا.. كان غالبية الطلاب يحبون مديرهم!
المدير لم ينجب من زوجته.. هي اِنشغلت في أعمال خيرية تابعة للكنيسة, وهو يرى التلاميذ كهبة إلهية.. منهم الصالح والطالح.. لكنهم جميعاً أبناؤه.. فكثيراً ما حل مشاكلهم الدراسية, والشخصية أيضاً.. بينهم وبين أولياء أمورهم..
فكانت الأصوات المتطرفة نادراً ما تلقى تأييداً لها في تلك المدرسة..
...................
"رسمت قصرك في خيالي.."
..................
في أعياده, يهاتفه طلابه المسلمون وكذلك يفعل أولياء أمورهم.. كما يفعل معهم المثل في أعيادهم.. ويحافظ على مشاعرهم وقت صيام رمضان بألا يتناول شيئاً في المدرسة ولا حتى جرعة ماء.. على سبيل التقدير منه لهم, بل وأحياناً يسخر من التلاميذ المسلمين الذين لا يصومون, بمزاح.. "شكلك لسة مابلغتش يا واد"..
..................
فضلت أحاصرك بآمالي.."
.................
أثناء..
.................
وقامت ثورة 25 يناير..
في البداية وجد نفسه مدفوعاً بقلبه تجاهها, وتمنى لو رددت صداها لديه في مدينته كما حدث في القاهرة والأسكندرية والسويس حتى يستطيع أن يشارك ويطلق صرخة وسط جماعة متفقين على مبدأ واحد: سقوط النظام من أجل حياة كريمة مكرمة..
....................
"لحد م أنتي يا حلم بعيد..
لقيتي حالك من حالي.."

..................
حتى بالتدريج بدأ الناس يفيقون في تلك المدينة.. وخرج معهم في أكثر من مظاهرة, وهتف بسقوط النظام بأعلى صوته حتى بح!
ولن ينسى أبداً حتى مماته وقت ما ذهب يهرول لمقهى قريب, مع المتظاهرين بعد أن سمعوا أن "عمر سليمان" سيلقي بياناً الآن.. وكان بيان تنحي "مبارك"..
وقتها تخلص من وقاره لأول مرة, وأخذ يغني وسط الناس بشيبة شعر رأسه التي تعطيه منظراً طفولياً رغم كهولته..
...................
"مشيت وإيدك في ايديا..
مش يوم لا لا لأ مية.."
"حضنت صورتك في عينيا..
حب وحنية"

................
بعد..
.....................
وهو في سيارته متجهاً إلى عمله في الصباح الباكر.. وجد سيلاً من السيارات يعبر ناحيته مخالفاً نظام المرور, لدرجة أنه تفادى أكثر من حادثة.. لم يفهم ما حدث إلا عندما سار قليلاً, فوجد أكثر من "مكروباص" يقطع الطريق أمام عبور السيارات, لأن سائقي (الميكروباصات) يقومون بإضراب.. كانوا أمام سياراتهم الراكنة يرفعون لوحات "نريد توحيد الأجرة 50 قرش"..
أوقف الرجل سيارته وخرج منها ليخاطب من يبدو وكأنه كبيرهم, منظم الإضراب.. سأله: "ممكن بعد إذنك أعدي؟؟ عندي شغل ماقدرش أتأخر عليه"
السائق في عدم اكتراث: "مش هنعدي حد غير لما الأجرة تبقى نص جنيه"
-"طب الناس لسة مرتباتها مازادتش عشان تدفعلكوا اللي عايزينه.. ممكن تستنوا شوية؟؟"
="مش هنعدي حد غير لما الأجرة تتوحل"
-"تتوحل؟"
.....................
"ولما كنت أعطش وأضيع..
كنت أترمي في أجمل تقاطيع.."
"ألاقي فيهم كنز كبير..
م أنا عاشق زي كتير"

....................
يقترب شاب منهما, كان خارجاً للتو من سيارته ليسحب المدير الكهل من ساعده, بابتسامة هامساً: "سيبك منه يا حاج, ولف الطريق التاني.. دول بهايم مش هيفهموا أبداً"
المدير: "ده بيقول تتوحل!!"
الشاب يضحك: "معلش يا حاج, أمسحها فيا.. دول جهلا ولا هيفهموا.. دول اللي كانوا بيشتموا علي وعلى غيري م اللي قام بالثورة وكنا بالنسبالهم عيال صيع موقفين الحال.. آديهم دلوقتي جايين ينطوا عليها بجهلهم"
المدير: "طب أنا هفهمهم غلطهم"
الشاب: "ولا هيفهموا يا حاج.. دولا حد كاتبلهم الكلام ده, أصلهم مش مناظر بتعرف تقرا ولا تكتب.. أنا والله لو اديتله لوحة مكتوب عليها (أنا اِبن هبلة) هيمشي يلف بيها الشوارع وهو مبتسم"
المدير يضحك.. ويذهب لسيارته ليسير عكس خط السير, ليقطع طريقاً أطول وأبعد حتى يصل لمدرسته..
.......................
"إحساسي قالي إني أستاهلك..
فكرت تبقيلي حلالي.."
"جريت عليكي أندهلك..
وحصاني ناطط في العالي"

.....................
بمجرد ما توقف أمام باب المدرسة.. يصل لأذنيه أصوات هرج ومرج..
كان التلاميذ يصيحون..
"مش عايزين بطرس, مش عايزين بطرس"
أحد التلاميذ صعد فوق (تختة) ملقاة في فناء المدرسة, وأخذ يرقص وهو يهز وسطه في حركات فاضحة هاتفاً: "مش هنمشي.. هو يمشي"!
يقترب منه أحد المدرسين ليسأله: مين ده اللي يمشي؟؟
فلا يلتفت التلميذ إليه.. ويردد وهو يرقص بصورة أكثر بذاءة..
"مش هنمشي.. هو يمشي"
يسأله المدرس بصوت مرتفع: طب يمشي يروح فين؟؟"
التلميذ: "مش هنمشي.. هو يمشي!"
المدرس: وانت غصب عنك مش هتمشي.. انت في مدرسة يا ولد!
عندها يرد التلميذ وهو يخرج لسانه وحوله باقي التلميذ يهتفون مثله: "مش هنمشي.. هو يمشي"!
أما عن الأستاذ "مجدي"..
في البداية.. لم يستوعب.. ولم يصدق..
تلاميذه يقومون بثورة ضده!
......................
"وصلت بابك وأنا شابك أحلام في عيوني..
ولسة هبدأ في كلامي.. حراس منعوني"

.....................
يأتي إليه أحد وكلاء المدرسة ليخبره أنهم على هذا الحال منذ بداية الطابور الصباحي.. ويطالبون برحيل المدير متهمينه بسرقة ميزانية المدرسة لحسابه الشخصي.. مقابل بعض المراوح للفصول فقط!
المدير يرد: أنا لو حرامي كنت قلت إن المراوح من الميزانية.. لكنها من التبرعات.. الميزانية بتاعة الترم التاني لسة موجودة, ماتصرفش منها مليم!
...................

"بيقولوا يا فندم, إنك كل يوم بتيجي بدلة شكل.. معلش أعذرهم أصلهم متعودين على صورة إن مدير المدرسة الحكومي يبقى مدهول"
كاد يرد أنه ليس له أبناء يصرف عليهم.. حتى يظهر كمتواضع الملابس! لكنه شعر أنه لا فائدة من ذكر ذلك..
غصة مؤلمة..
المدير يشعر الآن بألم لم يشعر به في حياته كلها..
تخيل لو خرج على الطلاب الآن في فناء المدرسة الذي لم يبرحوه إلى فصولهم ليخبرهم أن كل طلباتهم مجابة.. سيصبح الآن في صورة "مبارك" بالظبط.. وسيزيدهم هذا من الإصرار.. بعد أن أصبحت اللاثقة آفة متنامية.. بعد أن غلب الحفظ على الفهم..
يتدخل أحد المدرسين: "يا باشا دي بقت موضة.. أي حد دلوقتي مابيثورش ضد مديره بيقولوا عليه إنه لامؤاخذة يعني.. نعمل ايه بقى في عيال سفلة ولاد كلب.. آدي اللي جابته الثورة!!"
كاد المدير يرد ليدافع عن تلامذته وعن الثورة.. لكنه سرعان ما أطبق شفتيه عندما وصل لأذنه هتافات أشد إيلاماً..
"اِرحل يا حرامي.."
وهذا ما جعل المدرس يستطرد: "والله يا باشا.. كل العيال اللي شغالة بتهتف ديه.. عيال لامؤاخذة صيع, وبيعملوا الحبتين دول عشان يخرجوا لمدرسة البنات يعاكسوا فيهم"
...................
"اكمني عاشق على قدي..
والحب والهوى راسمالي..
"رجعت.. ايدك يا حبيبتي مش في ايديا"

.....................

نظر حوله على باقي المدرسين الملتفين.. فلم يلمح من المنتمين للتيار السلفي أو الإخواني.. إلا واحداً كان ينظر إليه بتشفٍ واضح!
المدير يشعر الآن بالدوار..
حاول أن يتماسك.. حتى خرج مسرعاً, معتذراً لمن حوله, مهمهماً بكلمات سريعة غير مفهومة..
وعاد إلى بيته وهو يبكي..
لم يصدق أن تنقلب الثورة التي شارك فيها عليه هكذا.. لم يصدق أن يلقى كل هذا الجفاء ممن كان يعتبرهم كاَبنائه, والذين كثيراً ما أعطاهم وقتاً على حساب وقته الشخصي..
وبمجرد أن أخبر زوجته بما حدث.. طيبت خاطره, وأحضرت له عصير ليمون.. حتى هدأ قليلاً, فهاتف مديرية التربية والتعليم, ليخبر المسئول أنه يريد تقديم اِستقالته.. فهو على أي حال سيخرج على المعاش بعد عامين..
فيرد عليه المسئول: "يا راجل إحنا هنلاقي أنضف أو أشرف منك فين بس.. الناس اتمرعت ومحتاجة قلمين يفوقوها.. مش ديه الثورة اللي كنت بتدافع عنها؟؟.. أنا الصبح داخل مكتبي, لقيت الساعي ماقامش يتنفض زي كل يوم.. رحت فزعت فيه, وخصمت منه يومين.. أنا هكلم المحافظة حالاً عشان يشوفوا حل للفوضى ديه!"
....................
"قضيت سنين مالهاش معنى..
مانستش ولا ليلة موضوعنا..
"مانكرش عقدني شوية.. وأثر فيا"

.................

بعدها تنهال على هاتف بيته مكالمات من تلاميذ وأولياء أمور يحبونه ويبكون لأجله ويخبرونهم أنه لا شأن لهم بالطلاب الذين تظاهروا ضده.. فطلب المدير أن يعرف اسم من نظم هذا التظاهر.. فأعطوه الاسامي..
فيقوم المدير بمهاتفتهم ليسألهم متأثراً: ليه عايز تمشيني يابني؟ لو عندك سبب حقيقي أنا همشي فعلاً..
فلم يجد إلا تلعثم أو إنكار!
بعد قليل يهاتفه مدرس الألعاب الذي يحبه كثيراً, وكان في إجازة عارضة في ذلك اليوم.. -وصله ما حدث في المدرسة-.. ليخبره أنه غداً سيأتي ببعض من أصدقائه البلطجية ليتصدوا لأي محاولة خروج على نظام المدرسة.. في ظل غياب الشرطة..
الأستاذ "مجدي" في دهشة: بلطجية؟؟؟
يرد مدرس الألعاب: يا باشا البلطجية أصلاً طول عمرهم هيفضلوا بلطجية.. فلما نكسبهم في صفنا يكون أحسن!
لم يستطع وقتها الاعتراض..
وأيضاً مسئول في المحافظة هاتفه بعد أن تلقى الخبر من المديرية.. ليخبره أن بالغد سيرسل الجيش دبابات وجنود للسيطرة على أحوال الموظفين المنفلتين في المحافظة ككل, وسيرسل له بعض العساكر..
يخبره المسئول:
"كل من قام بمظاهرات فئوية بعد الثورة كانوا يلعنونها حتى وقت تنحي "مبارك".. ثم بعدها أرادوا قطف ثمارها قبل أن تنضج كأي حيوانات جائعة! لكن العيب مش عليهم, الجيش في ايده إنه يخلص الأمور بدري.. بس مش عارف الاستهبال اللي بيعمله ده ليه ولحساب مين؟؟"
..................
"دلوقتي بقى لما أفتكره..
من كسفتي بقول مش فاكره.."

.................
في صباح الغد يذهب المدير لمدرسته.. ليجد أمام بوابتها على اليمين بعض البلطجية منتفخي الأجساد.. وعلى اليسار ظابط جيش مع بضعة عساكر..
يفسحون الطريق للمدير لكي يعبر.. ولم يفتح أي طالب فمه في ذلك اليوم.. أو بعده!
........................
"مع إنها نهاية عادية.. م أنا عاشق زي كتير.."
...................


صلاة: لأني أرى الله..


خواطر عن إله السلفية, وإله الإخوان, وإله البلطجية.. الذي يؤمن أتباعه بكل ما سأذكره من نتائج, ويبقى أن أترجم صورة الإله وفق كل نتيجة..
..............


لأني أرى الله عجوز غلبان.. أقوم بالاعتداء جسدياً أو معنوياً على من يتحدث عنه بطريقة غير لائقة..
........
لأني أرى الله آلة صماء لا تقدر النسبية.. أقوم بتطبيق كل ما أؤمن أنه أمرني به, حتى أنجو من عذابه.. ويدخلني جنته..
...........
لأني أرى الله ظالماً.. أطالب بتطبيق ما اعتقد أنها شريعته بالتدخل في شئون الآخرين لكي يسيروا كما أعتقد أنه يريد..
...................
لأني أرى الله عقله صغير.. فأجده يصيب من لا يؤمن به بكوارث كغضب منه عليهم, فيقتل الأطفال ويدمر كل الجمال الذي صنعه الإنسان.. حتى يؤمن به.. أو حتى لكي يتقربوا إليه أكثر!
.................
لأني أرى الله صانع فتنة.. أقوم بتقييد حرية غيري من البشر ولو بقتلهم.. لأن مطمعي هو الجنة بكل نعيمها.. ولا بأس أن أنالها على حساب غيري..
....................
لأني أرى الله مجحفاً.. فلن أترك الكفرة والملاحدة لينعموا في الدنيا.. بل سأعذبهم فيها حتى تـُطبق الشريعة, ويـُقام عليهم الحد.. ثم يخلدون في جهنم في عذاب أليم..
....................
لأني أرى الله عاجزاً.. فلن أترك من يعصيه ليستمتع في الدنيا على غير رضاه.. سأكون لسان الله المقوم, ويده الباطشة..
.................
لأني أرى الله غير موجود.. أحاول أن أكونه أنا بنفس سلطاته..
....................
لأني أرى الله متحرشاً.. أحاول أن أردد على آذان أي فتاة لا ترتدي حجاباً آيات من القرآن علها تهتدي..
..............
لأني أرى الله مزعجاً.. أقرأ كتابه بصوتٍ عالٍ في أي مكان ولا اَنتبه لمن هم حولي.. والويل لمن يعترض..
.....................
لأني أرى الله ديكتاتوراً صامتاً.. أقهر أي رأي مخالف, ولا أقبل بوجود معارضة لي.. لأني من سأمثله..
.................
لأني أرى أن الله مولود معي في نفس قريتي, أو حارتي.. فيسكون رد فعلنا لكل ما هو جديد أو مختلف عنا متشابه حد التطابق.
......................

لأني –كاتب هذه السطور- أرى الله غيباً.. أؤمن أن لكل إنسان الحق أن يراه ويتخيله كما يشاء, وإلا لظهر.. لأني أرى الله قوياً أؤمن أنه لا يحتاج إلى دفاع من أحد, لأني أرى الله حقاً ونوراً وجمالاً وعدلاً فلن يخدعني كل من يردد اِسمه كذباً وبهتاناً أو غباءً وجهلاً.. لأني أرى الله يحب كل مخلوقاته.. ولو كان منهم من ينكر وجوده -كأب غفور رحيم-.. عاهدت نفسي أمامه في صلاتي.. أن أقهر الظلم والتجبر باسم الإله.. قدر اِستطاعتي..

قوووووول "نعم"!


....................
عزيزي البلطجي:
قل نعم, وسنقوم بتقنين بلطجيتك في مهام الجلد والرجم..
................
عزيزي المواطن الشرقي:
لو قلت لا للتعديلات الدستورية ستصبح زوجتك ملكية عامة لكل أصدقائك.. فحافظ على شرفك.
.....................
عزيزي الرضيع الكبير:
لو تم إلغاء المادة التانية.. فهتبقى علاقتك بالرضاعة مجرد ذكريات طفولة فقط, ولعياذ بالله..
...................
عزيزي لا تجادل ولا تناقش:
لازم يكون صوتك بنعم.. وطبعاً من غير ليه..
.......................
عزيزي المتطرف:
لو تحولنا إلى دولة علمانية سيتم مساواتك بالمسيحي ولعياذ بالله.. فحافظ على سيادتك وقل نعم.
....................
عزيزتي ربة المنزل:
لو تم إلغاء المادة التانية من الدستور.. مش هيخلوكي تتصلي تاني بالشيخ محمد حسان وبالتالي مش هتقوليله: إني أحبك في الله يا شيخ محمد, ما تجيب بوسة.
..................
عزيزي الموظف:
لو تم الغاء المادة التانية من الدستور.. هيشيلوا من على وشك زبيبة الصلاة بالعافية, فحافظ عليها وقل نعم.
.................
عزيزي الفلاح:
لو تحولت مصر إلى دولة علمانية.. سغضب الله عليك, وستهلك محاصيلك.. وسيتحول أبوقردان إلى عدو الفلاح.. ويمكن يقرمك من بضانك.
...................
عزيزي الأب:
لو تم إلغاء المادة التانية في الدستور.. هيجبروا عيالك على سب الدين كل يوم في طابور المدرسة.. واللي هيرفض ده هيتم استدعاء ولي أمره, وهيتسبله الدين في مجلس الآباء.
.................
عزيزي المتفلسف البضين:
قل نعم, وهات سبب لاديني.. عشان مايجيش علماني يتنطط علينا..
..................


12‏/03‏/2011

إهانة إجبارية..

.
تصادف أن أتم ثلاثة شهور بالتمام والكمال وهو في خدمته العسكرية الإجبارية في الجيش, يوم 11 فبراير لعام 2011.. كان وقتها واقفاً بجوار إحدى الدبابات, يراقب جماهير ميدان التحرير الغفيرة وهي تستمع إلى خطاب "عمر سليمان" في ذلك اليوم..
وبمجرد ما انتهى الخطاب.. لم يشعر الشاب بنفسه وهو يهتف ويرقص ويلوح بيده لجماهير التحرير.. حتى فوجيء بقائد كتيبته يخبره: "اِنت يا عسكري يا اِبن الوسخة؟؟ ايه التهريج ده؟؟".. وقتها تصلب الشاب في وقفته..
إنها الإهانات المعتادة من الجيش المصري.. الذي يعلمك أن تدوس على كرامتك قبل أن يعلمك الانضباط!
وكأنه نسي كم تغاضى عن تلك الإهانات, التي لو حاول أن يقاومها لعاقبه قائده.. وبالقانون.. بحبسه أو بحرمانه من الإجازات!
ظل بعدها يشاهد رقصات جماهير التحرير وغنائهم.. وهو واقف مكفهر الوجه لا يشعر بأي طعم لنجاح الثورة..
تلك الذكرى السيئة التي سيورثها لأبنائه ثم لأحفاده عمـَّا شعر به وقت تنحي "مبارك"..
وهو تحت لواء الجيش المصري!
............................


11‏/03‏/2011

الكابوس!



يجب أن تتوقف عن الكتابة وأنت غاضب! يجب ألا تكتب وأنت ترتجف أو تبكي.. يجب أن تكف عن وضع نفسك في أحذية غيرك لتتجرع آلامهم.. يكفيك ما بك من آلام.. لكن لا فائدة من كل هذه النصائح.. الوجع لن يزول إلا بوجع جديد في كتابة جديدة بعد فاصل..

عندما تذهب إلى مدينة غريبة لتقيم بها, ثم تقابل مالك بناية عجوز أحمق بخيل مستغل لتطب منه تأجير اِحدى الشقق, فيخبرك أنه لا توجد إلا شقة وحيدة بلا حمام.. الحمام يبعد عنها بأمتار.. أمام الشقة, ذلك الذي سيدخله جيرانك فيما بعد ليراقبوك أكثر من اِهتمامهم بشئونهم الفسيولوجية.. لكن هنالك مشكلة بسيطة عزيزي المستأجر.. حول تلك الفتاة التي تدعي "سيمون"..

"سيمون", كانت تقطن تلك الشقة قبلك, لكنها انتحرت.. أنظر من الشرفة! تعالَ معي ولا تخف.. أنظر على ذلك الزجاج المشهم بالأسفل.. بعد أن ارتطمت به.. هي لم تمت بعد, لكنها تحتضر الآن في المستشفى, يجب أن تذهب لتتأكد من موتها.. حتى تستطيع أن تقيم في تلك الشقة.. ليس لديك خيارات أخرى يا عزيزي..

ستذهب إلى المستشفى لتلتقى صديقتها التي تزورها, جسد "سيمون" مختبيء خلف الكثير من الشاش, لا يظهر منها إلا عينين غائرتين وفم يصرخ بشدة من فرط الألم.. حتى تموت!

ستسكن في الشقة, وستتوطد علاقتك بصديقتها التي لن تخبرها أنك تقيم مطرح ما أقامت "سيمون", وستأتي بأصدقاء عملك المزيفين ليسهروا لديك مع عاهراتهم حتى يطرق بابك أحد الجيران ليخبرك أن تصمت وإلا لألقاك خارجاً.. فيرحل أصدقاؤك بعد أن يسخروا منك ومن ضعفك أمام جيرانك, شخصيتك ضعيفك.. أنت مثل "سيمون".. فهل ستنتحر كما فعلت؟؟

الجميع سيدفعك في تلك المدينة لكي تفعل مثلها.. سيعطوك مشروبها المفضل, وستدخن سجائرها.. وستبحث عن سر انتحارها.. فلن تفهم شيئاً!

سيكذبون عليك, وستكذب على نفسك.. ستوهمها, ستغرق في هلاوسك وخيالاتك حول مؤامرة من الجميع لقتلك.. ستجد طفلاً صغيراً قبيح المنظر يبكي, ستذهب إليه وتصفعه على خده وترحل..

سترتدي باروكة, وستؤدي دور "سيمون".. وستستمع إلى صياح الجميع: اِنزل! اِنزل! اٍنزل!
ستقفز, وتهشم الزجاج الذي أصلحوه.. لكنك لن تموت.. ستتماسك لتنهض وأنت تنزف كثيراً.. ستزحف وتتحايل على البقاء, حتى تصعد من جديد إلى بيتك الخالي من الحمام الذي وضعوه بعيداً لكي يراقبونك من خلاله..
وستقفز هذه المرة بشخصيتك أنت.. وستصرخ في المستشفى وأنت ملفوف بالشاش إلا من 3 فتحات لعينين غائرتين, وفم.. أمام شاب خجول مرتجف يشبهك كثيراً حد التطابق التام!

فيلم: The Tenant
إخراج: Roman Polanski
قصة: Roland Topor