محتوى المدونة لا يناسب من تقل أعمارهم عن 17 سنة !! (مش أنا اللي بقول)

OnePlusYou Quizzes and Widgets

Created by OnePlusYou - Free Dating Sites

سـِفـْرْ عـَاشـُوريات

28‏/07‏/2010

"هل اِتبعت الدين الجديد؟؟"


.....................
"INCEPTION"
....................

هذه التدوينة مهداة إلى الصديق الجميل : محمد الطناني

..................
"تقديم"
...............

فكرة الشخصيات التي تولد وتموت داخل الإنسان الواحد.. هي – بلا شك- الفكرة المسيطرة على كل أفلام"Christopher Nolan"..
ففي فيلم Following-1998.. شاهدنا شخصيات روائية لا ندرك منها الحقيقي من المزيف في خيال كاتب يشعر بالوحدة والفراغ فيذهب ليتعقب أشخاص في الشوارع.. عله يظفر بقصة.. ذلك الفيلم الذي لم يتكلف شيئاً يذكر في الإنتاج.. إلا أنه أخبر العالم بميلاد مخرج عبقري قادم.. وكان عمره وقتذاك 28 عاماً!..
وبعده أتى الفيلم الكارثي Memento-2000 .. الذي اَعتبره أذكى سيناريو كتب على الإطلاق.. شاهدنا في هذا الفيلم شخصيات تولد وتموت في الإنسان المصاب بمرض فقدان الذاكرة الرجعي.. ذلك الفيلم الذي أتى لك بنهاية أحداثه في بدايته.. ليخبرك أن دورك كمشاهد يتوقف على معرفة هل المقتول في أول الفيلم –نهاية الأحداث- كان يستحق القتل أم لا.. حتى تكتشف أن كل جرم المقتول أنه وضع المرآة أمام قاتله..
"عندما تضع المرآة أمام الإنسان.. لا تتوقع منه أن يقتل نفسه.. بل سيقتلك أنت!"

وبعده ظهر بفيلم
Insomnia-2002 ..حيث ظابط تحقيقات مشهود له بالكفاءة لكنه مطالب الآن بالتحقيق في قضية صعبة.. رغم أنه مصاب بالأرق لأيام!.. فيتحول الأمر لأن يتحد مع القاتل المطلوب.. من أجل تبرئة ساحته.. الفيلم كان أقل أفلام "Christopher Nolan" روعة.. رغم آداء "Al Pacino"و"Robin Williams" والسيناريو المحكم..



وبعده بثلاثة أعوم.. ظهر بفيلم Batman begins .. ذلك الذي أغضب عليه الجمهور الإنجليزي.. فكيف لمخرج بريطاني أن يذهب ليخلد رمزاً أمريكياً –لا يحتاج إلى تخليد بالطبع- كــ "بات مان".. إلا أن روعة تناول "Christopher Nolan" للقصة الشهيرة من رؤيته الخاصة.. غفرت له ذلك بالتأكيد.. الفيلم يدور حول مضمون الخوف.. والعدالة.. وأن مفهوم العدالة الحقيقية هي التي تطبق على الجميع.. لا لإرضاء عقد أو ذكريات أو مخاوف قديمة خاصة..

بعد عام عاد ثانية "
Christopher Nolan" لفكرة الشخصيات المتعددة داخل الإنسان الواحد في فيلم The Prestige
.. وإن كانت الخدعة في النهاية فانتازية أكثر منها واقعية أو اختلاقية (في عقل البطل) أو نفسية..

بعد عامين.. ظهر الفيلم القنبلة
The Dark Knight .. أو الجزء الثاني من باتمان.. ذلك الفيلم الذي أتفق عليه الجميع.. أطفال وكبار.. نقاد وجمهور فشار.. وظهرت فيه شخصية الجوكر الذي أداها الممثل الراحل "Heath Ledger" (قبل أن يموت –وهو لا يزال 28 عاماً- بعد تعاطيه جرعة زائدة من المخدر اِحتفالاً بانتهاء تصويره في ذلك الفيلم المرهق)..
الفيلم يدور حول تيمة "من يخدع من؟؟؟".. قد يكون المخدوع هو الخادع من أجل غرض ما.. مع فلسفات أخرى-تناولها كان أكثر من رائع- حول الفرق بين العدالة والقانون..

وبعد عامين.. منذ أيام.. ظهر فيلمه السابع
Inception الذي قلب موازين الخيال العلمي والفيلمي أيضاً.. وربما الخيال الحلمي.. لو هناك شيء يدعى بذلك..
حياة البشر ما هي إلا أفكار مختلطة من هنا وهناك..
"لا شيء أصلي.. إلا لو اعتبرنا أن الأصل هو المزيج"..
الإنسان يموت في الحلم ليصحو من جديد.. أو قد تحلم أنك تحلم أنك تحلم.. أو قد ترى أمواتاً تعرفهم في حلمك.. فهل معنى هذا أنهم أمواتاً بالفعل؟؟.. ولماذا لا يكونوا هم الأحياء؟؟.. لهذا كتب أحد النقاد الأمريكين مقالاً رائعاً حول هذا الفيلم.. مرجحاً أنه قد يتحول لديانة في خلال عقد من الزمان!..
الأمر ليس عجيباً لو علمت أن البوذيين يؤمنوا أن الحياة ليست إلا وهم نعيشه!
.......
التيمة الأساسية في كل أفلام "
Christopher Nolan".. (لا تعد للماضي أبداً.. اِنسه.. وآمن فقط بالمستقبل!)
الماضي سيجعلك تقتل الأشخاص الخطأ.. سيجعلك مهزوز , مرتبك , مهزوم..
المستقبل هو الجديد دائماً.. لا تعش مستقبلك بتحكمات من ماضيك الميت.. حتى لو كان الماضي –بذكرياته- رائعاً.. إلا أنه ميت!
ناهيك طبعاً عن الفلسفة الأعظم على الإطلاق.. التي تلخص حياة أي إنسان..
"أنا عظيم.. وأخطائي مبررة.. بينما أخطاء الآخرين يستحقوا أن يُبادوا لأجلها"
........................
"الفيلم"
Spoilers!
....................
في البداية..

نشاهد الأمواج وهي تدفع بجسد "دوم كوب" إلى الشاطيء..

-Leonardo DiCaprio-
الذي بالمناسبة.. أفضل آداء شاهدته منه كان في فيلم..
What's Eating Gilbert Grape

وهو مصابٌ يهذي.. يفتح عينيه.. هناك طفلان يلعبان.. لا نشاهد وجهيهما.. ثم يأتي مسلحون يأخذونه لرجل عجوز.. يخبروه أنهم وجدوه وحيداً مع مسدس وتميمة دوارة (فلنطلق عليها الحلزونة).. العجوز يخبر "كوب" أنه كان يعرف رجلاً ذات يوم , يمتلك حلزونة كهذه ويدعى "كوب"..
.......................
بعدها ننتقل لمشهد آخر.. مختلف تماماً عن أول مشهد..
"كوب" و"آرثر"

-Joseph Gordon-Levitt-
الذي قام ببطولة الروائع (
500) Days of Summer و The Lookout و Mysterious Skin

في مواجهة "سايتو"



سنعرف أنهما مكلفان من قِبل جهة ما بسرقة فكرة من عقل "سايتو"..
"كوب" يحاول خداع "سايتو" فيخبره أنه يريد أن يحميه من أي سرقة أفكار.. فــ "دعني أدخل عقلك".. ويكاد "كوب" ينجح" في مهمته.. حتى تتدخل زوجته المتوفية "مال"

Marion Cotillard
الحاصلة عن أوسكار أفضل ممثلة عن دورها مجسدة شخصية "
Édith Piaf" في La vie en rose ..
التي دوماً ما تتدخل في لاوعيه لتفسد كل عملياته!
"سايتو" يعلم أنهم جميعاً في حلم داخل عقل "آرثر"..
فيقرر أنه لن يقتل "آرثر".. لأن القتل سيجعله يستيقظ.. القتل رحمة على أي حال..
هو سيعذبه.. سيطلق النار على ساقيه..
"كوب" يتدخل سريعاً ليقتل "آرثر".. فنشاهد "آرثر" يستيقظ في غرفة في مكان آخر.. وبجواره "كوب" لا يزال نائماً.. وبعض الغوغاء يقتربون من هذا المكان.. يوحي منظرهم أنه سيفتكون بمن في الغرفة.. بينما "ناش" الذي كان يتحكم في عودتهم من الحلم كمونيتور..-


Lukas Haas

- يلقي بــ "كوب" في البانيو الممتليء بالمياه..
فنعود لنشاهد "كوب" -في الحلم- وهو في القصر , يتصارع مع رجال "سايتو".. والماء يتدفق من كل النواحي.. حيث مؤثرات الواقع تتحول إلى أحداث في الحلم..
"كوب" يحاول قراءة الورق الذي سرقه من خزنة عقل "سايتو" ..
حتى يستيقظ في الغرفة.. ليجد أمامه "سايتو" و"آرثر" و"ناش" ..
في الوقت الذي يقترب فيه الغوغاء ليكسروا باب البيت..

بعدها نشاهد هذا الفريق يستيقظ في قطار.. لندرك أن المهمة كانت أن يدخلوا حلم داخل حلم..
وأن هؤلاء الغوغاء ليسوا إلا قوة دفاع لاوعي "سايتو".. ليحصن نفسه من السرقة أثناء النوم!
...................
بعد ذلك.. نعلم أن "كوب" هارب من السلطات الأمريكية.. ولا يستطيع أن يرى طفليه اللذان يعيشا في الولايات مع جدتهم.. مهنته الحالية "لص أفكار عبر عوالم الأحلام"..
What's the most resilient parasite? An Idea. A single idea from the human mind can build cities. An idea can transform the world and rewrite all the rules. Which is why I have to steal it.
غير أنه قرر مع "آرثر" -صديقه- أن يختبئا لفترة بعد فشل مهمتهما الأخيرة..
حتى يأتي إليه "سايتو".. غريمه.. ليطلب صداقته من أجل صفقة قادمة..
الصفقة القادمة ليست Extraction نزع\سرقة فكرة..
بل ستكون Inception زرع فكرة!!
وهي عملية أكثر صعوبة وتعقيد..
"كوب" يوافق.. خاصة والمقابل أن "سايتو" سيتدخل بنفوذه وعلاقاته ليطلب من السلطات الأمريكية تبرئة ساحة "كوب" من جريمته.. فيعود من جديد لوطنه وطفليه..
الفكرة المراد زرعها هي : يجب على رجل الأعمال الصغير "روبرت فيشر"

أن يدمر شركة أبيه الكبرى للطاقة.. أو على أقل الأحوال يبدل نشاطها لمجال آخر.
"روبرت فيشر" الأب..

.. على فراش الموت الآن.. وقريباً سيرثه ولده.. وهناك الوسيط بينهم الذي يُعتبر الأب الروحي لــ "فيشر" الصغير , والذي يدعى "براوننج"..

بالتأكيد سيكون له دور مهم في تلك العملية.. رغم عدم مشاركته فيها نهائيا!!
"سايتو" يخبرهم أنه سيذهب معهم رحلة الأحلام هذه.. لكي يضمن نجاح المهمة بنفسه..
.........................
"كوب" يبدأ يجمع فريقه للمهمة..
ذهب لأستاذه البروفيسور "مايلز" –والد زوجته أيضاً-

Michael Caine
الحاصل على 2 أوسكار..

".. طلب منه مصمم هندسي عبقري.. "مايلز" يرفض في البداية لاعتقاده أن "كوب" بصدد مهمة غير مشروعة.. لكن كوب يقنعه أن هذه العملية ستخرجه من الفوضى التي يعيشها من زمن.. ولو نجحت سيستطيع أن يذهب للولايات من جديد , ليعيش مع طفليه..
"مايلز" يوافق ويعرفه على عبقرية التصميم الهندسي "أريادن"


"Ellen Page"
المولودة في فبراير 87 .. بطلة فيلم المراهقات الأمريكي الشهير
Juno ..
و Hard Candy الذي يعتبر أقوى فيلم رعب لأي ذكر !

"كوب" يأخدها لأحلامه وهي مندهشة من هذا العالم.. ثم يطلب منها أن تصمم مكونات للأحلام.. ويشرح لها أن كل الموجودات في الحلم المشترك بينهما هي مفردات لللاوعي لكليهما حتى لو كانا لا يتذكراها!
ونشاهد بعد ذلك أقوى خدع بصرية –ربما في تاريخ السينما-.. حيث شوارع تصل بأخرى عمودياً كأنها متصلة بالسماء.. والسيارات والبشر تمر من أعلى لأسفل والمباني متقاطعة , متشابكة..
تُعجب "آريادن" بالأمر.. فتمارس ألعاباً طفولية في البداية.. فيحذرها "كوب" أن التغيير الكثير قد ينبه اللاوعي أن هذا ليس حقيقي وأنه حلم.. ويثور في وجهها عندما تصنع مكاناً مشابهاً لذكرياته مع "مال" -زوجته السابقة-..
"أنتِ الآن تستعيدي أشياء لا أريدها أن تعود!!"
وسرعان ما بدأ الناس من حولهما –في الحلم- ينظرون إليها.. ثم يهجموا عليها.. وتظهر "مال" –زوجة "كوب" المتوفية"- لتطعن "آريادن" في قلبها..
"كوب" و"آريادن" يستيقظا في مكان العمل..
كانت في منتهى الفزع وأخبرته أنها لن تشترك في تلك المهمة المرعبة..
لكن "كوب" يقول لــ"آرثر" بمنتهى الثقة.. أنها ستعود من جديد..
"الأحلام لا تقاوم ولو تحولت لكوابيس!"..
وبالفعل تعود ثانية , لتجد "آرثر" الذي يخبرها أشياءً عن "كوب"..
"كوب" يحلـُم بزوجته المتوفية "مال" يومياً , تقريباً.. وهي تشكل أكبر عثرة في مهمات "كوب" في الأحلام.. فهي اِنعكاس دائم من لاوعيه.. هي دائماً ضده.. في صف أعدائه..
لدرجة أن "كوب" أخبر "أريادن" أن تخفي أية تفاصيل في بناء الحلم عنه.. حتى لا تعلمها "مال" في لاوعيه.. وتفسد الأمر كالعادة!!
Never recreate from your memory. Always imagine new places.
كما أنه ينصح الفريق أن يستخدموا جميعاً تميمة لتخبرهم إن كان يحلموا أم لا..
فــ"كوب" معه حلزونة.. لا تتوقف عن الدوران لو كان في حلم.. لكنها تفعل في الواقع..
......................
بعد ذلك.. يذهب "كوب" للبحث عن مزور.. فيقابل "إيمز"

ومنه يتعرف على كيميائي بارع يدعى "يوسف"

الذي يخبرهم عن مسكن قوي يجعل الإنسان يعبر أكثر من 3 مستويات للأحلام.. أن تحلم أنك تحلم أنك تحلم.. وهكذا..
ويذهب بهم إلى غرفة فيها بشر نائمين معظم الوقت.. مناظرهم خاملة.. وكأننا بصدد تلميح رمزي حول دول العالم الثالث..
"يوسف" يخبر "كوب" أن هؤلاء وصلوا لأعلى مستويات الأحلام.. لدرجة أنهم لا يحبوا أن يستيقظوا أبداً.. فواقعهم هو الحلم!!.. ثم يقوم بصفع أحد النائمين هؤلاء فلا تهتز له شعرة.. ويواصل نومه.. وكأننا بصدد تلميح آخر حول كل الأفيونيات التي يغيب بها شعوب الدول المتخلفة.. معتقدين بها أنهم في الجنة!
.........................
وبعدما أجروا حسابات دقيقة ومعقدة أتفقوا على أن تكون الخطة على ثلاثة مستويات للحلم.. وسينتهي المستوى الثالث بزرع الفكرة..
..........................
عندما يموت "فيشر" الأب.. تبدأ المهمة.. "سايتو" يشتري شركة طيران من أجل حجز جميع مقاعد الدرجة الأولى لصالح فريقه.. الذي سيحيطون بــ "فيشر" الصغير..
الطائرة متجهة إلى L.A. .. الولاية الأمريكية الشهيرة..
فلا توجد أية خيارات غير النصر في هذه المهمة لــ "كوب".. فلو فشلت المهمة, فستقوم السلطات الأمريكية بإلقاء القبض عليه في المطار..
يضعوا منوم قوي في كوب "فيشر"..
وتبدأ المهمة..
ونذهب جميعاً إلى الحلم..
ومعنا فريق مدرب جيداً على الغوص داخل عوالم الأحلام..
فريق يعلم المطلوب منه داخل الحلم..
أفراده يعلمون أنهم يحلمون..
أو هكذا نتصور..
Dreams feel real while we're in them. It's only when we wake up that we realize something was actually strange
...........................
لكن مهلاً.. الوقت له قواعد أيها السادة..
فــ 10 ساعات من وقت العالم الحقيقي.. تعادل أسبوع واحد لأول مستوي من الحلم.. و6 شهور في المستوى الثاني.. و10 سنين في المستوى الثالث..
وميكانيكة اليقظة من كل مستوى في الحلم تدعى بالركلة "The Kick" .. وهي ستحدث عندما يسقطوا من عل أو عندما يصطدموا في شيء..
لكن ماذا لو مات أحد أفراد الفريق في الحلم؟؟
هل سيتسيقظ كما كان في المهمة السابقة؟؟
لا.. لأن المنوم هنا قوي جداً.. ووفاة أحدهم في الحلم ستذهب به إلى ما يُدعى باللــ "Limbo" حيث عالم الأحلام السفلي.. ويبقى هناك للأبد معتقداً أنه في الواقع!!
...........................
نذهب إلى المستوى الأول من الحلم..
"آرثر" و"سايتو" و"كوب" يقوموا بخطف "فيشر"..
لكن يبدو أن "فيشر" قد تلقى تدريباً في الدفاع عن نفسه من اقتحام أحلامه..
فنشاهد رجال مسلحين يطاردون أفراد الفريق..
ونشاهد فجأة قطار يعبر منتصف الشارع ليلقي بالسيارات على الجانبين..
سنعرف بعدها أن القطار هذا من مفردات لاوعي "كوب" التي تحارب ضده!
وبعد مطاردة وإطلاق رصاص.. يصلوا إلى مخزن قديم..
"سايتو" الآن مُصاب في صدره..
في ذلك الوقت..
"كوب" يخبر "آريادن" بقصة وفاة مال-زوجته- الحقيقة..
"كوب" تدرب جيداً على اقتحام عوالم الأحلام.. وأخذها معه في كل أحلامه.. وحاول إقناعها أن واقعهما هو الحلم..
فكانت عندما تصحو من نومها.. تعتقد أنها في حلم سخيف.. بينما حلمها هو واقعها!
حتى ذات يوم..
هاتفت "كوب" لتخبره أنها حجزت غرفة في فندق ليحتفلوا بذكرى الزواج..
وعندما أتى "كوب" إليها.. وجدها تطلب منه الانتحار معها.. حيث يذهبا معاً إلى العالم الحقيقي.. لا هذا العالم المزيف..
فيصرخ "كوب" فيها , يخبرها أنهما الآن في العالم الحقيقي..
فتخبره أنها أرسلت للسلطات خطاباً تتهمه فيه بقتلها.. فلا مفر أن يصحبها الآن إلى جنونها.. أو أن يصبح مطارداً من السلطات الأمريكية للأبد..
وتنتحر أمام عينيه.. فيقوم "كوب" بالهرب..
................................
نعود لسير الأحداث..
"آرثر" و"كوب" يتحدثان إلى "فيشر" وهما مـُقـَّنـَعـَان..
يطلبا منه كلمة سر الخزنة القابعة في مكتبه..
"فيشر" لا يعلم بوجود خزنة من الأساس..
بعدها نشاهد "براوننج" –الأب الروحي لــ"فيشر"- وهو يصرخ مقيداً بجواره..
في الواقع هو المقلد البارع "إيمز".. لا "براوننج"..
الذي يخبر "فيشر" أن والده كتب وصية يطلب فيها من اِبنه أن يقوم ببناء شركة خاصة له.. لأنه يحبه..
فيندهش "فيشر" معلناً أن آخر ما قاله له والده قبل موته هو "أنا مـُحبط"!
...............................
دفاعات لاوعي "فيشر"-الرجال المسلحون- تقترب من المخزن..
فيركبوا السيارة ويقرروا دخول المستوى الثاني من الحلم.. بعد أن يحصل "كوب" من "فيشر" على أي أرقام تدور بمخيلته..
(تلك الأرقام التي سيستغلها "إيمز" لتصبح رقم غرفة في فندق في المستوى الثاني من الحلم , حيث تقوم شقراء من مخيلة "إيمز" بإعطاء هذا الرقم لــ "فيشر")
الآن "يوسف" -اسم نبي تفسير الأحلام في القرآن- سيقود السيارة بهم.. حتى يسقط بها من الجسر..
وسقوطهم في المياه ستكون بمثابة الركلة التي ستعيدهم لحلم المستوى الأول من جديد..
................................
يدخلوا المستوى الثاني من الحلم.. في مطعم فندق..
"كوب" يقابل "فيشر".. ويخبره أنه حارسه الخاص , ويجعله يدرك أنه يحلم الآن..
والدليل أنه لا يذكر كيف أتى هنا..
لاوعي "فيشر" يستدعي "براوننج" –الأب الروحي- على أنه شخص شرير يستأجر عصابة تريد قتله.. وأنه –"براوننج"- فعل هذا , حتى لا يضيع مجهوده في تلك الشركة التي ستؤول إلى "فيشر" الصغير الساذج..
"كوب" يقنع "فيشر" أنه يجب أن يدخل حلم ليكتشف ما في مخ "براوننج" من أسرار..
وفي غرفة في الفندق يدخلوا المستوى الثالث من الحلم..
ويبقى "آرثر" يقظاً , كــ"مونيتور"..
..................................
يصلوا إلى جبالٍ ثلجية..
حيث الخزينة الموجودة في قصر يحرسه رجال مسلحون..
"كوب" يخبر "فيشر" أنهما سيذهبا معاً للقصر.. حيث الخزنة..
و"إيمز" والباقي سيجذبوا الحرس بعيداً عنهما..
.........................
الآن..
نشاهد الفيلم وهو مجزأ على مستويات الأحلام الثلاثة..
في المستوى الأول : العربة تقع من الجسر..
باقي 10 ثواني.. وتهبط للمياه..
في المستوى الثاني : تنعدم الجاذبية في الفندق.. فنجد "آرثر" وهو يقاوم انعدام الجاذبية في الفندق.. نتيجة لانعكاس سقوط السيارة من الحلم الأول.. في الوقت الذي كان فيه يصارع رجال آتيين من لاوعي "فيشر".. حتى ينتصر عليهم.. فيقوم بربط أفراد الفريق النائمين.. ويبدأ في زرع متفجرات.. لتؤدي نفس فعل الجاذبية.. لكي يستعد لتوجيه ركلة اليقظة القادمة.. تبقي لديه 3 دقايق.. وهي التي تعادل 10 ثواني من مستوى الحلم الأول..
في المستوى التالت : "فيشر" يحارب لكي يصل للخزنة.. باقي من الزمن ساعة..
..................................
بعد حرب طويلة , يموت "سايتو"..
وبعد أن اقترب "فيشر" من الخزنة.. "مال" تظهر.. "كوب" يتردد في إطلاق الرصاص عليها.. فتقوم بقتل "فيشر".. فيذهب تردد "كوب" سريعاً ويرديها قتيلة..
الآن.. "فيشر" ميت!
وهذا يعني فشل المهمة..
...................................
"آرديان" تخبر "كوب" ألا ييأس.. فلمَ لا يذهبا إلى الــ "Limbo" - العالم السفلي لأحلام "كوب"- حيث سيجدا "مال" هنالك.. وبالتأكيد سيكون "فيشر" حي!
فيأخذوه إلى المستوى الثالث من الحلم من جديد..
...................
ويحدث تطور في الخطة..
نذهب إلى مستوى رابع من الأحلام..
مع "آريادن" و"كوب"..
نشاهد العالم الذي عاش فيه "كوب" مع "مال" لنصف قرن!
نذهب إلى بيتهما..
نشاهد "مال" جالسة تنظر بحزن إلى "كوب".. بينما الطفلين كالعادة يلعبان دون أن نرى وجهيهما..
"مال" تعاتب "كوب"..
"لماذا تركتني وحيدة في هذا العالم؟؟.. أنت أخبرتني عندما عرضت علي الزواج أنك حلمت بأننا سنشيخ معاً"
وتظهر صورة ليدين عجوزين يحتضنان بعضهما البعض.. وكأنها إشارة لحياتهما هنالك في الــ "Limbo" ..
"مال" تخبره أنه كان مرتبك وسخيف فيما يظنه هو واقعه.. وأنه على حقيقته هنا معها.. حيث واقعها هي..
"كوب" يخبر "مال" أنها ليست حقيقية..
......................

بعدها نذهب لفلاش باك..
في الفترة التي عاشها "كوب" مع "مال" في الــ "Limbo" .. وأنه ذهب بها إلى هذا المكان بعد أن وضعا جسديهما أسفل قضبان قطار قادم في حلمٍ ما..
"كوب" يشعر بالذنب.. لأنه يعتقد أنه من قتل "مال" بالفعل.. بعد أن جردها من عالم الواقع تماماً.. وجعلها تؤمن فقط بالأحلام.. حتى انتحرت..
سنعلم أن الحلزونة التي يعلم بها "كوب" إن كان يحلم أم لا.. هي خاصة "مال".. كانت تضعها في خزنتها.. واستطاع أن يؤثر عليها عن طريق تميمتها هذه..
وبعدما ماتت "مال".. احتفظ "كوب" بتميمتها الخاصة هذه كأنها ملكه..
.........................
نعود للمستوى الرابع من الحلم..
"كوب" يخبر "مال" -التي تعني "الشر" في اللاتينية- أنها ليست حقيقية وأنه سيعود لعالمه الأصلي..
"مال" تقترب منه تريد قتله.. تطعنه بسكين المطبخ.. فتقوم "آريادن"-الاسم لآلهة إغريقية أعطت "زيوس" خيطاً يستطيع الرجوع بواسطته من متاهة الوحش بعد قتله- بالتخلص منها سريعاً..
"مال" نجدها قوية وذات بأس دوماً في الأحلام.. ربما لأن والدها – البروفيسير "مايلز"- دربها جيداً.. فأصبحت قادرة على أن تعيش جيداً في عالم الأحلام حتى بعد وفاتها في الواقع..
لدرجة أنها أفسدت مهمات كثيرة لــ"كوب" بتدخلها الدائم ضده..
تلك الصورة الفنية الرائعة عن تحكم الأموات في حياة الأحياء..
فلا تدري منها.. من الحي ومن الميت!
You see, I think negative emotions are always trumped by positive emotions.
.....................
تبحث "آريادن" عن "فيشر" الذي لقى مصرعه في المستوى الثالث من الحلم.. لتعود به حياً إلى المستوى السابق من الحلم من جديد..
بعد القفز من ارتفاع عالٍ..
..............................
نعود للمستوى الثالث..
"إيمز" يستخدم جهاز صعق ليحيي "فيشر" من جديد..
نشاهد "فيشر" يفيق.. ويذهب مهرولاً لخزنة والده..
يجد والده على سرير بجوار الخزنة.. يخبره "سأكون محبط لو أصبحت مثلما كنت.. أريدك بشخصية مستقلة عني"
"فيشر" يقرر تحويل نشاط شركة الطاقة..
بعدها يقوم الفريق بتفجير المكان بالقنابل لكي..
.........................
نعود للمستوى الثاني..
حيث يقوم "آرثر" بتفجير ممر المصعد ليحدث جاذبية هبوط تعادل ركلة اليقظة.. فــ
.........................
نعود للمستوى الأول..
السيارة تهبط للمياه أخيراً.. فتأتي ركلة اليقظة..
الجميع يستيقظ ماعدا "كوب"..
ونشاهد "فيشر" وهو يخبر "براوننج" أنه بصدد تغيير نشاط الشركة..
........................
نعود لنكمل أول مشهد في الفيلم..
نعرف أن العجوز هو "سايتو"..

"كوب" يطلب منه الرجوع.. فهو وعده -"سايتو"- أن يعود به وهو مسن من عالم الــ "Limbo" لكن "سايتو" بالطبع لا يتذكر أي شيء..
العودة من الــ "Limbo" ليست مستحيلة.. لكن يلزمها أن يكون الإنسان مدرك تماماً أنه في عالم من الأحلام لا في الواقع.. ثم يقتل نفسه..
"سايتو" يرفع مسدسه أمام وجه "كوب"..
لكن لماذا لم يعد "كوب" و"آريادن" بــ "سايتو" من الــ "Limbo" عندما ذهبا لإنقاذ "فيشر"؟؟؟
لأن "سايتو" مصاب في كل مستويات الأحلام.. وكان ميت في المستوى الأول من الحلم..
فكان لابد أن يغوص إليه "كوب" أكثر ليجده بعد أن قضى عمراً طويلاً في الــ "Limbo" ..
ناهيك عن أن بطلا رحلة المستوى الرابع من الحلم.. لم يعلما بوفاة "سايتو" في المستوى الثالث وقتذاك..
لكن كيف عاد "كوب" ثانية إلى الــ ""Limbo ليأتي بــ "سايتو"؟
ربما لأن طعنة "مال" في قلبه قد أودت بحياته , فجعلته يغوص أكثر داخل أعماق الــ "Limbo" .. حتى وصل لــ"سايتو" وهو عجوز هنالك.. لديه حراس أقوياء من إنعكاسات لاوعي "كوب" عندما كان يحارب ضده وقتما أراد سرقة فكرة منه..
.............................
نعود لما يبدو أنه الواقع..
في الطائرة..
الجميع يستيقظ..
"سايتو" يهاتف السلطات لتسمح لـ"كوب" بالعودة لبلده من جديد وتبرئة ساحته..
"كوب" يمر من المطار دون أية مضايقات..
"مايلز" في انتظاره.. يأخده لبيته القديم..
يرى طفليه يلعبا في الساحة الخلفية..
"كوب" يضع الحلزونة على النضد ثم يلفها.. في الوقت الذي نشاهد فيه وجهي طفليه لأول مرة -(ربما هذا ما يرجح أن النهاية حقيقية..)- وهما يركضا نحوه في فرحة.. فيستدير إليهما..
بينما تبقى الكاميرا على الحلزونة التي كانت تدور في تباطؤ..
هل كانت ستتوقف؟؟
أم أنها ستظل تدور؟؟
هل هو في حلم آخر أم أنها الحقيقة؟
هل المشاهدون هم من يحلمون بالمشهد الأخير؟؟؟
لا نعلم!
تلك الحيرة الدائمة في نهاية أفلام "
Christopher Nolan" دفعت بأحد مشاهير النقاد في الولايات بأن يقول أنه يصنع خراء.. لا أفلام!!
....................
(بعض أقوياء الملاحظة لاحظوا أن هناك دبلة في إصبع "كوب" أثناء الحلم.. لا نراها في يده وهو في الواقع.. وكانت غير موجودة في مشهد النهاية!.. ربما تكون إشارة لتميمة "كوب" الحقيقية التي لم يخبر بها أحد.. ولأنه لم يكن لديه حب فضول ليتابع "الحلزونة" وهي تتوقف.. لأنه تأكد من أنه في الواقع لعدم وجود دبلة)
.....................

ربما يكون الفيلم بسيط جداً ولا يحتاج لتفكير كثير.. فتتحد هنا رؤية محدودي التفكير مع العباقرة حول أن ما شاهدناه كحلم هو حلم.. وما شاهدناه كحقيقة هو حقيقة.. ولا عزاء لمتوسطي الذكاء..
ربما تكون النهاية حلماً من "كوب" الذي ضاع في الــ "Limbo" مع انعكاسات أكثر قوة جعلته يتخيل وجهي طفليه هذه المرة..
(فالفيلم لم يظهر لنا كيف عاد من الــ "Limbo" ليستيقظ فجأة في الطائرة!)
ربما تكون النهاية حقيقة.. وأنه عاد لوطنه ولطفليه بالفعل..
ربما تكون المهمة بأكملها مع فريق العمل بكافة مستويات الأحلام , من الأساس من اختلاقات لاوعي "كوب".. وهو ضائعاً في الــ ""Limbo منذ البداية..
فسبق لــ "كوب" أن أخبر "آريادن" أنه يشعر بالأسف لأنه لا يتذكر وجهي طفليه..
(ربما تكون الفكرة المُراد زرعها من الأساس , في عقله نفسه.. أن يقوم "كوب" بزرع فكرة داخل عقله هو , يعتقد بها أنه يستطيع رؤية وجهي طفليه..)
ربما تكون "مال" بالفعل تعيش في عالم الواقع.. وهو الذي يحبس نفسه في عالم من الأحلام كما كانت تخبره دوماً!!
لكن الأكيد من كل هذا الاحتمالات..
أن "كوب" –أو الإنسان عموماً- اِنتصر لما أراد تحقيقه.. سواء في الواقع أو في الحلم!
............................
"الاقتباسات"
Open Your Eyes - 1997
ونسخته الأمريكية الضعيفة Vanilla Sky
The Matrix - 1999
وقد يكون من الظلم أن نعتبر وجود اقتباس من Avatar.. أو Shutter Island
فبالتأكيد الفيلم مكتوب قبل أن يشاهد المخرج الفيلمان السابقان..
لكن من قال أن الاقتباس إفلاس؟؟..
بالتأكيد "
Christopher Nolan" لن ينفي هذا..
ففكرة الفيلم نفسه من اسمه قائمة على ذلك "Inception"

حيث لم يفعل أي إنسان –أو مبدع على الأخص- شيئاً لم يسبقه إليه أحد.. أبداً!
لكن الفرق -فقط- في التلقي..

هل شاهدت فيلماً عبقرياً أم أنه مجرد تقليد؟؟
هل الاقتباس أضاف للسينما أم لم يضف؟؟؟

...................
ربما عدت وكتبت تحديث عن الفيلم , بعد مشاهدة أخرى وأعمق..
فالفيلم يحتاج لمشاهدات على أكثر من مستوى.. تماماً كمستويات الأحلام في الفيلم..
من السطحي للأعمق..
I know how to find secrets from your Mind, I know all the tricks!
............
..............
هنالك أغنية غنتها "Édith Piaf"-المطربة الفرنسية الخالدة- عام 1960.. أتت في الفيلم بمثابة ركلة اليقظة الأساسية لفريق المهمة..
عندما تدور يجب أن يستيقظ الجميع..
وفي هذا أروع ترميز لكي يخرج الإنسان من أحلامه وذكرياته ويستيقظ أمام الواقع..
الأغنية وجدتها مترجمة إلى العربية على مدونة الصديق
محمد أسامة..
................
لا.. لا أنـدمُ على شيئٍ
لا.. لا شيئ من لا شيئ
لا.. لا أندم على شيئ
لا ما أحسنوه إليّ , ولا ما أساؤوه
كل هذا عندي سيّان
لا.. لا شيئ من لا شيئ
لا.. لا أندم على شيئ
فكلّه مضى.. انقضى ..(اِتنسى)
لا أبالي بالماضي
مع ذكرياتي
أوقدتُ النار
أحزاني.. سعاداتي
لم أعد أحتاجهم
رحلوا عشاقي
مع زغرداتهم
رحلوا للأبد
وأعود إلى الصفر
لا.. لا شيئ من لا شيئ
لا.. لا أندم على شيئ
لا ما أحسنوه إليّ و لا ما أساؤوه
كل هذا عندي سيّان
لا.. لاشيئ من لا شيئ
لا.. لا أندم على شيئ
لأنّ حياتي
لأنّ أفراحي
اليوم....
تبدأ معك أنت
..
...............................

24‏/07‏/2010

"عن الذين لا يجب أن يعلموا بموت الزمان"

"مريت بتجربتين أو تلاتة.. وكنت بنهي الحكاية ببساطة.. مش هو ده اللي بدور عليه"

الصداع النصفي يأتي عندما يرتفع ضغط الدم في المخ.. وقتها تبدأ الأعراض التمهيدية التحذيرية.. أشعر بالصداع المؤلم قليلاً مع بعض الهلاوس البصرية التي تنبؤني بقدوم الصداع الفتاك.. القهوة تفعل هذا..
"ماتعديليش كام ظالمهم معايا.. مش قصدي سوء نية.. ده في النهاية.. أسلوب بحاول يوم أنساكي بيه"


ثم بعدما تضيق الشرايين تماماً تبدأ في الانبساط باستعباط.. فتتمدد حتى تضغط على الأعصاب وينبض ذلك العرق القابع على يسار جبهتي.. ليخبرني أني أستحق أن أتعذب قليلاً بأسوأ صداع ممكن.. والقهوة قد تشفي من هذا..

"أنا متعقد على فكرة.. مابقتش ببص لبكرة.. وأتاريني عايش على الذكرى"
لم اَتناول حبوب الصداع النصفي أثناء الأعراض التحذيرية.. فلا فائدة منها الآن..
"أنا مش بفكر في نفسي وأناني.. د أنا الوحيد اللي واقف مكاني.. وأنا الوحيد اللي بخسر أكيد"


سأظل ضاغطاً على عيني حتى يذهب الصداع أو تنفجر على أسوأ الأحوال..
هنالك حرقان في المعدة.. بسبب القهوة على الريق مع السجاير..


لو ذهبت لطبيب نفسي لأخبرني أن الصداع مع الحموضة يعني أن لدي اكتئاباً..
ولو ذهبت لطبيب باطني فسيطلب مني أشعة..
ولو ذهبت لجراح لأخبرني أن هناك احتمالية لا بأس بها أن يكون هناك ورماً في المخ.. وسيراهن على هذا وسط زملائه من قبل نتيجة الأشعة..
ربما تكون مشكلتي هي إلتهاب الأذن الوسطى المزمن عند طبيب الأنف والأذن.. أو أني أحتاج لنظارة طبية فقط لدى طبيب العيون..
أو أن يخبرني طبيب التناسلية بحماقة أن أتوقف عن ممارسة العادة السرية التي لا أمارسها..
أو أن أذهب لطبيب أطفال ليخبرني بذكاء أني أخطأت التخصص..
على كل حال.. جميع الأطباء حمقى..


"أنا غصب عني أما بعمل مقارنة.. وأما أقلِّب وأبص لصورنا.. مش بعرف أنسى وأعيش من جديد"
الصداع يذهب الآن.. بعد الضغط لدقائق على عيني وعرقي النابض..
قليل من القهوة سيزيل الصداع تماماً وسيزيد من الحموضة.. لا بأس.. أنا لا أريد إلا رأسي سليمة..
أقوم لأوقف حماقي عن الصراخ حول أنه "متعقد".. الأغنية اَستمع إليها بصورة متواصلة من 10 ساعات.. قبل وأثناء وبعد النوم.. لدرجة أنها تخللت أحلامي.. وجدتها تصلح أغنية لفيلم "Memento".. يبدو أنها سبب الصداع.. فقمت بمسحها نهائياً من جهازي.. بعد أن وضعتها في قائمة أفضل 100 أغنية..

أحدهم يطرق الباب..
أتجاهل أمه..
يستمر الطرق لدقائق..
أفتح لأجد أمين شرطة يطلب مني الحضور للقسم لأن جارتي العجوز التي تقطن أسفل شقتي.. قد تضررت بسبب مياه التكييف التي تسقط على شرفتها..
لم أرد عليه.. وذهبت إلى غرفتي عائداً بعشرة جنيهات.. أعطيتها له : الشاي بتاعك..
يبتسم ويرحل..
بعد دقائق يذهب الصداع.. أقوم لاَستحم.. فأتذكر شيئاً أثناء اِرتدائي ملابسي..

أذهب لأبحث في كل الغرف.. فلا أجدها.. بالتأكيد هي ليست أسفل السرير لتكتشف خيانتي لها..

ولو فعلت ذلك فهي تستحق الخيانة بلا شك..

أستدعي المصعد لأجده معلقاً في الدور الأول.. أحد الأوغاد ترك الباب مفتوحاً..
اَستمع لصياح السيدة العجوز.. جارتي صاحبة البلاغ.. وهي تسب من ترك باب المصعد مفتوحاً..
هبطت على السلالم فقابلتها وجهاً لوجه..
كانت أول مرة أراها..
في التسعين من عمرها على أقل الأحوال.. وعندما تَحركَت رأيتها تسير بصعوبة.. وأقوى أعضائها هو لسانها دون منازع..
أخبرتها أني سأغلق الباب عندما أهبط..
شكرتني ثم سألتني إن كنت الساكن (اللي فوق)..
أومأْت مع ابتسامة..
سألتني في شماتة : وانت دلوقتي رايح القسم؟؟..
أجبت بالنفي مع ابتسامة..
ثم قلت : أفهمك يا حاجَّة.. آ..
قالت : حاجة مين يابني.. أنا أرثوذكس!
قلت : مافيش أي مشاكل خالص.. بس يا ريت.. يا ريت يعني.. لو عايزة أي حاجة قوليلي مباشرة من غير محاضر وتشريد وفضح الدنيا.. وأنا هعملها.. عشان أنا أكيد مش قصدي أضايقك.. غير إن طول ما فيه محاضر.. أنا مش هسمع الكلام عشان أنا عنيد شوية.. أنا ممكن أسيبلك رقمي لو احتجتي حاجة رني عليا وأنا هكنسل عليكي وأكلمك..
قالت : لا طبعاً مش هديك رقمي!
ابتسمْت.. : طيب أنا هنزل وهقفل باب الاسانسير..
قالت : تعالَ كدة أوريك عملت ايه في بيتي..
اندهشت من جرأتها.. أن تصحبني داخل شقتها هكذا.. مجرد عجوز أخرى لم تقرأ "الجريمة والعقاب"!..
.....................

بمجرد ما خطوت إلى الداخل.. شممت رائحة قوية وخانقة.. أشمها كثيراً في بيوت أصدقائي الأقباط ولا أعرف مصدرها حقيقة.. ربما رائحة جينية أو ما شابه.. لكنها رغم ذلك مميزة, وفيها الكثير من الدفء على أي حال..
أخذتني إلى شرفتها لتريني تشققات السقف بسبب المياه.. وأخبرتني أننا نعيش في منطقة قريبة من النيل.. وقد تنهار قريباً بسبب المياه.. فلا داعي لكي أعجل بانهيار العمارة بمياه خرطوم التكييف!
ثم أخذت تُريني شهاداتها في مجال عملها أثناء ما كانت تعمل.. فقاومت رغبتي أن أخبرها بمهنتي التي هي نفس مهنتها وإن كنت لا أزال في بداية طريقي..
ثم أخذت تعدد علاقاتها ومعارفها مع أكبر شخصيات في البلدة.. يستطيعوا إيذائي بمجرد مكالمة منها..
قاومت رغبتي في أن أرد عليها بمثل لغتها الاستعلائية.. بعلاقات أشد نفوذاً..
وقاومت كذلك رغبتي في أن أخبرها أنها مجرد عجوز , أنثى , وحيدة.. ولو كانت رجلاً لارتحت كثيراً في عدائي معه..
لكن بالتأكيد من منظر الأصباغ التي على وجهها كانت ستغضب لو أخبرتها أنها عجوز..
سألتني عن مهنتي.. فأخبرتها أني كاتب..
سألتني في أي جريدة؟
مافيش..
سألتني عن كتبي؟
لا توجد..
أمال بتكتب فين؟..
على النت..
فيه حد بيقرالك؟
قلت : آه.. صحابي!
قالت : بتكتب لصحابك بس؟
قلت : لو واحد بس بيقرالي .. هفضل أكتب!
تقول : طب بتكسب م اللي بتكتبه؟
أقول : لأ بدفع!
تقول : أمال بتكسب منين؟
أقول : بشتغل قاتل أجير.. بموت الستات العواجيز وبسرق دهبهم..
تضحك كثيراً بلا أسنان.. وتقول : دولا العواجيز بقى!
هي بالفعل لا تزال ترى نفسها شابة.. وهذا شيء جميل.. مع المزيد من الخداع مني ربما تصدق ذلك حد التقديس..
سألتني : طب انت بتكتب عن ايه؟
قلت : قصص!
قالت : حلو أوي أوي.. عشان أنا عايزة أحكيلك قصة حياتي.. عشان تكتبها وتوريها لصحابك..
قلت : ده يبقى شيء جميل جداً.. تحبي امتى؟
تقول : دلوقتي طبعاً.. إنت شايفني فاضية؟؟!!
قلت : طيب اتفضلي..
وأخذت استمع إليها وأنا أقوم بإرسالة رسالة من محمولي لصديقي في العمل لكي أخبره أني سأتأخر قليلاً..
...................
وأنا صغيرة.. أصغر من دلوقتي يعني.. كنت بحب ابن الجيران.. أيام ما كنا ساكنين في العباسية.. وهو كان بيموت فيا.. كنا بنبعت لبعض جوابات , ونخرج نروح السيما مع بعض.. لغاية ما اتقدملي واحد غني جداً في سن والدي.. هو كان صاحبه أصلاً.. وله علاقات معاه في أراضي وفدادين.. أنا وقتها قلت لأ مش عايزاه.. لكن بابا ضربني بالقلم.. وقالي لازم تتجوزيه.. ولقيتني مغصوبة.. وأنا ماحبتش أزعـَّل بابا.. اتجوزته.. وعشت معاه أيام صعبة جداً.. بس كنت مخلصة ليه عشان رضا يسوع فوق كل شيء.. لغاية ما قامت الثروة.. وخسر أراضي كتير.. فجاتله سكتة قلبية ومات.. وأنا وقتها كنت أصغر من 30 سنة.. وبقيت أرملة وأنا في عز شبابي.. ناس كتير كانت بتنصحني أتجوز تاني.. بس أنا كنت بدور على حبي الأول.. اللي سافر إيطاليا بعد ما أنا اتجوزت على طول.. وانقطعت أخباره من هناك.. هتصدقني لو قلتلك إني من ساعة ما بقيت أرملة لغاية دلوقتي.. وأنا بدور عليه.. سألت عنه السفارة المصرية هناك.. دورت عليه عند قرايبه.. سافرت إيطاليا وقعدت فيها فترة عشان يمكن ألاقيه صدفة.. مالقتهوش.. رجعت مصر وأنا مركزة إن حلمي وهمي الوحيد يبقى هو شغلي.. ده اللي لو ارتبطت بيه دلوقتي هبقى مش بخون حبيبي.. واشتغلت كتير.. كتير أوي.. كنت زي الإنسان الآلي.. ناس كتير حاولت تقربلي.. إلا إني كنت بصدهم بوقاحة على طول لدرجة أنهم بقوا يخافوا مني.. أنا انتمائي الوحيد لشغلي لحد ما أقابل حبيبي.. وعلى فكرة هو لسة عايش.. وموجود.. أنا متأكدة.. أنا إحساسي مايخيبش أبداً.. لأنه لو كان مات كنت عرفت.. هو عايش وبيراقبني.. أنا بقعد كتير أتكلم معاه قبل ما أنام.. أقوله على يومي حصل فيه إيه من غيره حتى لو حاجات تافهة.. أنا أصلاً كل اللي بيحصلي في حياتي دلوقتي حاجات تافهة.. مافهاش إثارة.. بس بتكلم معاه قبل ما أنام.. روحه بتكون متعلقة في نجمة بشوفها جمب شباكي على طول.. امبارح مثلاً مالقتش حاجة أقولهاله من اللي عملتها في يومي.. لقيتني بحكيله عن كباية النسكافيه اللي عملتها.. وقعدت أضحك وأنا بحكيله إني كنت بقلب الكباية بالمعلقة من الشمال لليمين.. وهو كان مسخسخ م الضحك برضه.. أنا عرفت ده من لمعان النجم.. "

...................

تصمت.. وعيناها دامعتان..
اَقترب أكثر منها.. وأخبرها بكل ثقة : هيجيلك أكيد.. أنا كمان حاسس بكدة!
تسألني في لهفة : بجد؟؟ انت بتتكلم جد؟؟
وجدتني أنا الآن أتحول للغيب لديها بكل معانيه.. هي سلمت لي تماماً بعد الحكاية هذه.. فأنا الإله والإيمان والحبيب الغايب والحب.. أنا كل هذه الروحانيات.. وروحها بين يدي الآن.. لابد أن أدخلها جنة الوهم.. أخبرتها أني أؤمن بتناسخ الأرواح.. وأؤمن بالنجوم.. ولغة النجوم.. وأن هناك بشراً يتحولوا إلى نجوم ليروا كم نحن نحبهم.. وإن تأكدوا من ذلك.. عادوا إلينا بشراً من جديد.. لنغيب في أحضانهم للأبد..
وجدتها تضحك وعيناها.. تضحك ودموعها تتراقص في فرحة..
أخذت أربت على كفها.. فحاشته عني في دلال وعتاب أنثوي..
زمانها توقف.. ولا تدري ذلك.. وهذا شيء عظيم بالطبع!
أوليس من الغباء أن نخبر الجميع بموت زمانهم؟؟
................
سألتها إن كانت تحتاج لشيء.. فطلبت مني أن آخذها إلى السوق.. لتبتاع بعض الخضروات والفاكهة..
فهاتفتهم في العمل لأخبرهم أني سآخذ إجازة اليوم..
وذهبت معها ببطء السلحفاة وهي تضع ذراعها داخل ذراعي.. شعرت بملمس يدها الملأي بالعروق المنتفشة البارزة, والعضلات المترهلة العجوز..
أخبرتها.. أنها تقدمت بأكثر من 6 محاضر ضدي.. منها محضر بسبب وجود قشرة لب في البلكونة.. ثم قلت : ما محبة إلا بعد عداوة..
فأخبرتني أنها لا تتذكر أي شيء..
كنت سألتها في بيتها عندما شاهدت علبة أدوية تعالج مرض فقدان الذاكرة المزمن - ألزهامير.. إن كانت مصابة بهذا المرض؟؟.. فقالت : والعدرا ما فاكرة!!..
ذهبت معها إلى السوق.. واشترينا البضائع على مهل.. وطبعاً كنت أسير معها حاملاً عدة أكياس وهي متعلقة في ذراعي.. تحكي لي عن حال المنطقة في الماضي كيف كان.. حتى آل الآن إلى مجموعة من الهمج!
تمنيت وقتها ألا يراني الأصدقاء الذين يعرفون أنه لا جدة لدي.. فيظنوا أني قد أعبث مع العجائز أو ما شابه..
أوصلتها لبيتها.. بعد مقابلة ونزهة متعبة دامتا لأربع ساعات..
وعند باب بيتها احتضنتني وقبلتني.. في حنان أنثوي ميت أكثر من حنان جدة لحفيدها..
عدت إلى بيتي.. وأنا سعيد لأني اكتسبت محبة إنسان ذلك اليوم..
وقمت بتحويل مسار خرطوم التكييف إلى الخارج..
وجلست أكتب قصتها بعينين دامعتين.. وقهوة..
........................
بعد يومين.. رأيتها على السلم , فقلت في فرحة حقيقية : اِزي حضرتك؟
نظرت إلي في دهشة : اِنت مين؟
اِبتسمْت في إحراج , محاولاً استشفاف المزحة.. : أنا جارك اللي فوق.. مش فاكراني؟؟
قالت في عصبية والكلام يتناثر مع اللعاب من فمها :
"آه طبعاً فاكرة.. اِنت بقى اللي بترمي عليا أعقاب سجاير وقشر لب ومغرقني بمية التكييف.. لكن أنا مش هسكت.. أنا وراك لغاية ما تعزل م البيت ده.. اِنت فاكرها فوضى؟؟؟.. كويس إنك فكرتني عشان أكلم البوليس دلوقتي"
ثم تغيب داخل منزلها وتصفق الباب خلفها في قوة..
.......................

22‏/07‏/2010

"جلدة نضارة المية بتاعة ابن الباشا"

في ذلك النادي الرياضي الشهير..
في حمام السباحة..

حيث الأطفال يسبحون قرب الكبار..
فاصلة بينهم أرض منحدرة أعلاها حبل , يوضح حدود العمق..

شاهدنا طفلاً سميناً رشيقاً يسير على حافة حمام السباحة..
الفوطة معلقة على كتفيه.. ونظارة الماء في يده..
وخطواته واثقة , أكبر من عمره..
ينادي عليه أحد المدربين الشبان :
"اِزيك يا فهد"
فيرد الطفل عليه :
"إزيك يا حبيبي.. أمك كويسة؟"
"فهد" يتوقف حيث الكبار يسبحون..
العمق 3 أمتار..
يعلق الفوطة على إحدى خوازيق ركن حمام السباحة..
يرتدي النظارة.. ويقفز في المياه..
يصعد بمهارة بعد نص دقيقة.. ويسبح ببراعة..
أجدني أسأل أحد المدربين عن عمره..
فيخبرني أنه فقط 8 سنوات!
بعدها..
ينادي "فهد" على أحد المدربين :
"يا علاااااء.. إنت يا اِبن الوسخة.. خد عايزك"
أفاجيء بــ "علاء" هذا يقترب منه عند حافة الحمام..
"عيب يا فهد يا حبيبي, أنا زي أخوك الكبير"
فهد:
"أحا اللي أخويا.. أنت هتصاحبني يلا؟.. خد ضيقلي النضارة وأرميهالي"
كنت قد تحدثت مع "علاء".. وعلمت منه أنه خريج هندسة.. وظروفه المادية الصعبة جعلته يقبل بهذه المهنة مؤقتاً..
قام "علاء" بتضييق النضارة.. ثم ألقاها لـ"فهد"..
سألت "علاء" : "هو قريبك؟"
قال وهو يضحك في مرارة : "ده ابن رئيس مجلس الإدارة من مراته الجديدة"..
أردت أن أسأله كيف ترضى بهذا الذل من طفل لم يربه أهله.. فتجاهلت الموضوع حتى لا أصعب الموقف عليه..
بالتأكيد هو يعرف هذا ومضطر..
...................
دقائق وعاد "فهد" لينادي على مدرب سباحة آخر يدعى "حازم"..
طلب منه أن يأتي قرب حافة الحمام..
ولما أتى "حازم" وفي يده محموله الشخصي..
جذبه "فهد" لداخل المياه.. فألقي "حازم" بمحموله إلى الخارج.. وسقط جسده في المياه..
و"فهد" يضحك بشدة مستمتعاً..
خرج "حازم" من الحمام.. بسرعة ليطمئن على محموله..
بعدها نظر إلى "فهد"..
"يا (فهد) بعد كدة هشتكيك لبابا"
"فهد" يرفع إصبعه الوسطى عالياً..
"أبويا قالي اللي يضايقك.. طلع ميتينه وقولي على اِسمه عشان أكمل عليه"
وجدتني أنظر إلى هذه المسرحية العبثية..
أنا الذي أتيت لاستجم يوماً على حمام السباحة..
أجد هذه الصورة القاتمة..
ذل.. فقر.. ثراء.. سلطة.. تحكم.. سفالة..
يقطع "فهد" تواصل أفكاري..
وهو ينادي على مدرب السباحة الثالث "محمد"..
"ابقى نضف حمام السباحة بعد ما أطلع على طول يا (محمد).. عشان شخيت فيه"
أسمع "محمد" وهو يقول بصوت منخفض..
"وبعدين في الواد ابن الشرموطة ده!"
"علاء" : "فاكر لما "حازم" اشتكاه لأبوه مرة.. وجه بعدين خصم عليه أسبوع"
"فهد" ينادي عليهم من جديد..
"جلدة النضارة وقعت"..
ينظرون بعيداً..
"فهد" يزعق : "بقول جلدة النضارة وقعت في المية يا خولات"!
"محمد" لــ "علاء" : "كدة هيجيبها فيك.. روح شوفه ابن القحبة ده"
"علاء" ينزل حمام السباحة..
يبحث عنها.. فيصعد للسطح.. لا يجدها..
فيهبط "حازم" وبعده "محمد"..
"فهد" : النضارة وسعت دلوقتي.. ألبسها إزاي؟؟؟.. ماهو اللي ضيقهالي حمار.."
"علاء" : "عيب يا (فهد).. ماتغلطش"..
"فهد" : "حمار وابن حمار كمان"
"علاء" يقترب من "فهد".. محمر الوجه غاضباً.. وكأنه سيأكله.. وعندما يصبح أمامه نجده يقول في استسلام : "عيب يا فهد"..
"فهد" يضحك : "ده آخرك يعني".. (ثم يقلد صوته بنبرة أنثوية) "عيب يا (فهد)"..
"محمد" يقول لـ "فهد" : "معلش يا حبيبي, بابا يجيبلك نضارة غيرها.."
"فهد" يشخر بحنجرته ذات الــ 8 أعوام! ويقول : " جلدة النضارة لو ماطلعتش.. هخرب بيوتكم"
"حازم" : "وهي النضارة بكام يا فهد؟"
"فهد" : "بخمسمية جنيه.. تقدر على تمنها؟؟"
يغوص الثلاثة من جديد.. يبحثون عنها..
و"فهد" مرتكز بجسده على سلم الحمام..
يطلق كلام تهديدي حول فصلهم من النادي وخراب بيوتهم..
تمر دقيقة.. والثلاثة لا يزالوا غائصين تحت المياه..
ألمح المدربين الثلاثة وهم قريبين من بعض عند الرؤوس..
بالحركة المعروفة التي يفعلها لاعبي كرة القدم قبل بدأ المبارة..
في الدقيقة الثانية.. يصعدون..
"فهد" يسأل : "هاااا.. لقيتوها يا.."
يقتربون منه , ويسحبونه من ساقيه..
و"فهد" يسبهم بأقذع الألفاظ..
والناس من حولهم يضحكون..
المدربون الثلاثة يغطـِّسون رأس "فهد" داخل المياه..
الناس تتوقف عن الضحك..
الجميع يتوقف عن السباحة..
الكل يراقب ذلك المشهد..
لا صوت يعلو فوق صوت فقاقيع الهواء التي تخرج من رئتي "فهد"..
حتى يتوقف ذلك الصوت تماماً..

................
يخرج المدربين الثلاثة من المياه..
تاركين جسداً طافياً على الماء..
لا يتحرك..
...................

19‏/07‏/2010

البوسطجي - عبقرية سينمائية عابرة للزمن!


"عن مأساة إنسان لا يريد إلا أن يحيى في سلام وسط مجموعة من الهمج"
......................
لن تكون مبالغاً لو اعتبرت البوسطجي أعظم سيناريو وحوار كُتب في تاريخ السينما المصرية..
الفيلم مأخوذ عن قصة "البوسطجي" من مجموعة "دماء وطين" للأديب الهاديء "يحيى حقى" ..
وعندما تم عرض الفيلم.. لم يحقق أية إيرادات .. كما أنه لاقى إتهامات حول تشويه سمعة مصر وإظهارها بصورة دولة همجية لا تقيم أي وزن أو اعتبار لحقوق الإنسان..
هذا الإتهام الجاهز كان في سنة 1968 وقت عرض الفيلم.. ولا يزال ذلك الإتهام قائماً حتى الآن.. على أساس إن مصر ليست دولة متخلفة فعلا!
ولا أدري هل أصحاب هذه الإتهامات يعيشون في مصر فعلاً أم أنهم لا يروا أن مصر لا تحتاج أي تشويه لكي تبدو مشوهة!
الغريب أن "يحيى حقي" نفسه كاتب القصة لم تعجبه نهاية الفيلم.. وطلب من المخرج أن يستبدلها بنهاية أخرى أقل قسوة من هذه!!
.....
أعظم ما الفيلم هو السيناريو والحوار للكاتب "صبري موسى" وزوجته "دنيا البابا" ..
حقيقي أن إخراج "حسين كمال" لم يتناسب مع عبقرية السيناريو لكنه كان جيداً جداً على أي حال..
.....
يبدأ الفيلم في محطة القطار التابعة لقرية كوم النحل تابعة لأسيوط -اسم القرية وهمي- يهبط "شكري سرحان" من القطر وعلى وجهه علامات الاستياء والغضب والقرف.. القرية بدائية جداً.. والفلاحيين أجسادهم هزيلة والغباء والفقر متصالحاً على وجوههم..
يذهب لبيت العمدة , يخبره أنه ناظر البوسطة الجديد.. وأنه تم نقله من القاهرة.. بعد أن ودع أجمل أيام حياته هنالك.. ليذهب لذلك المكان العجيب..
يواجه من كل الفلاحيين والعمدة وشيخ الغفر وحارس مكتب البوسطة كل أنواع التخابث والتلامز والسخافة..
فهاهو أفندي قادم من مصر.. حيث تسير النساء عاريات الوجوه وشعر الرأس!!
......
يواجه استغلالاً من العمدة.. الذي يمنحه بيته القديم ليؤجره للإقامة.. مقابل أكثر مما يستحق!
وتبدأ معاناته الحقيقة أثناء العمل..
عقول أجهل من دابة..
ليست المشكلة في الجهل أو التخلف فقط..
بل في الإصرار على ذلك وإتخاذ الغباء كمعتقد..
...................
"الواحد مش لاقي حد يقول له حتى نكتة.. حاجة تقصر العمر"
..................
ستجد في هذا الفيلم مفهوم الشرف الزائف لدى هؤلاء..
فعندما أتت الغازية لبيت "شكري سرحان"..
اجتمع أهالي البلدة وأخذوا يطرقوا الباب بهمجية..
"الغازية لازم تطلع!"
وعندما استجابت لضغوطهم وخرجت , أخذوا يتحرشون بها!
هم إذاً لا يحافظوا عن شرف نسائهم , بقدر رغبتهم ألا يمسسهن غريب عنهم.. ولو كانت النساء هذه عاهرات..
الأمر الذي ظل موجوداً لدينا حتى الآن.. فكم مرة قرأت عن اندلاع فتنة طائفية لأن عاهرة مسلمة ضاجعت شاباً مسيحياً!!
بل الأمور في زمننا تنحدر للأسوأ .. لقتل ودماء!
.......................
لا توجد أية مشاهد جمعت بين البطل (شكري سرحان) بالبطلة (زيزي مصطفى)..
وهذا شيء غير مسبوق بلا شك في السيناريو..
........................
نشاهد توازي درامي بين قصتين..
الأب الصعيدي الذي نراه أكثر أهل البلدة تحرراً فيوافق أن تذهب ابنته إلى أسيوط لتتعلم في مدرسة داخلية.. ونتابع قصة اِبنته عندما تعشق أخ زميلتها.. حتى ينتج عن هذا حملاً!
وعلى الناحية الأخرى..
نشاهد معاناة ناظر البوسطة وسط الهمج والأغبياء..
يشرب الكحوليات في الخفاء..
يبتاع مجلات بورنو ليرضي شهوته المكبوتة فيسرقها الفلاحين ويتندرون عليها..
"ديه تصاوير بنات مصر اللي يعرفهم.. اللي تعجبه منهم هيبعتلها تاجي تعيش معاه هنا"
الحياة تمر عليه مملة وسخيفة..
يزداد عصبية..
حتى يلجأ لحيلة..
"إن كنت غير قادر على مصادقة الهمج.. راقبهم.."
أصبحت متعته في التلصص على خطابات الفلاحين..
كان يفتح الجواب ببخار الماء المغلي.. ثم يقرؤه ويلصقه من جديد..
كانت الحكاوي كلها مملة.. عن الثأر والجواميس التي يشتروها ويبيعوها..
حتى توقف عند خطاب عاطفي!
هناك عاطفة ومشاعر وسط هؤلاء الوحوش متجبري المشاعر , ضعيفي العقول!
خطاب من فتاة لحبيبها..
به أرق كلمات الحب وأعذبها..
الطريف أن المرسل إليه : "أم أحمد"..
أم أحمد؟؟؟
أتت في الصباح لتستلم الخطاب.. طلب منها أن توقع فأخبرته أنها تبصم فقط.. فتأكد أنها فقط مرسال غرام..
تصلها خطابات الحبيب.. فتذهب بها إلى الحبيبة..

تتوالى الأحداث..
ونعرف من الخطابات والمشاهد أن الفتى تقدم لوالد الفتاة ليتزوجها.. إلا أن الأب رفضه بكل تجبر وغرور..
فيخبرها الشاب عن طريق الخطابات أنه سيسافر ليجد عملاً في الأسكندرية وسيرسل إليها لتهرب وتعيش معه هنالك..
وعندما يرسل إليها عنوان بيته في الأسكندرية وموعد هروبها.. يخطيء ناظر البوسطة ويضع ختماً على الخطاب ذاته!!!
يستحيل أن يسلمه هكذا.. فهذا كفيل بسجنه وضياع مستقبله!
يتخلص من الجواب.. في الوقت الذي تسافر فيه "أم أحمد" لقرية مجاورة لأيام..
يرسل الشاب خطاباً ثانياً يستفسر عن سبب عدم الرد.. وفيه العنوان من جديد..
يسعد ناظر البوسطة بذلك الخطاب..
لكن "أم أحمد" لا تأتي..
يحاول البحث عنها.. فيقابلوا سؤاله بالشك والتخابث..
يسأل عنها بعض الفتيات في الخارج فيهرولن منه فارات..
فيتهموه بمعاكسة نساء القرية!
وعندما يخرج من القسم..

نشاهد الأب وهو يركض خلف ابنته حاملاً السكين..
وينتهي الفيلم.. بصورة مفجعة.. تجعل ناظر البوسطة .. يلقي بكل الخطابات التي معه في الهواء..
.......................

الجهل ليس وحده قاتلاً.. بل الفضول المريض كذلك!

18‏/07‏/2010

"كيف تصنع القدر"..


رميت سجارة م البلكونة..

وقعت على عصفور بيطير..

لسعته.. داخ.. كان هيقع..

ولما ظبط نفسه..

خبطته عربية..

سواقها اتلخبط..

خبط بنوتة , بتتمشى..

راح بيها المستشفى..

رجعوا متجوزين..

وخلفوا عيل.. لما كـِبر..

قال جاي بيحارب التدخين!!

16‏/07‏/2010

"اِبن اللبـُوءة" (هيومانليون)..

1
وعندما ألقيت بنفسي من الطائرة المنفجرة.. قامت أغصان وفروع وأوراق أشجار الغابة الكثيفة بتخفيف ألم الهبوط..
حتى وقعت على الحشائش..
لا أزال حياً , واعياً..
صـُعب علي أن أرفع جسدي لأنهض.. لكني فتحت عيني..
فوجدت أمامي لبوءة ضخمة تنظر إلي في فضول ووحشية..
.....................
نجوت من موت محقق.. مهشماً على الأرض أو على الصخور.. أو غارقاً في مياه المحيط..
لأجدني سأموت تحت أنياب ومخالب لبوءة!
كانت تقترب مني في خطوات وئيدة , واثقة..
فكتمت أنفاسي , وحاولت منع نفسي من الارتجاف..
وأغمضت عيني بطريقتي التي تجعلني أرى ما حولي في شحوب عبر فرجة مجهرية بين جفني الشبه منطبقين..
كانت تدور حولي..
وألم صدمة الهبوط لا يزال يشل جسدي..
ما شعوري حين يخرج بعض من جلد بطني بين أنيابها بما تحته من طبقات دهنية وعضلات وربما جزءً من المعدة أو الكبد وأنا لا أزال حياً متألماً!
شعور لن يكون جيداً بالتأكيد..
حتى اقتربت بوجهها من وجهي..
عيناها مرعبتان..
وأنفاسها ساخنة وملجمة وحارة.. ومقرفة..
الغريب أنها هي من بدا عليها القرف إن كانت كرمشة أنفها تعني ذلك!
فتحت فمها..
واقتربت أكثر من وجهي..
...................
أخذت تلعق وجهي بلسانها القذر!
هي الآن تنظف وجبتها القادمة.. تمهيداً لالتهامها..
سأتحول الآن إلى قطع صغيرة تهديها لأشبالها!
.....................
الآن تبتعد بوجهها عن وجهي..
وفجأة.. أطبقت بأنيابها على ملابسي الممزقة..
وأخذت تجذبها..
حتى أصبحت عارياً..
إلا من قطعة ملابس سفلية تداري عورتي..
كانت تصر على تمزيقها أيضاً..
لكن.. وهي تجذب عضوي معها!
أردت أن أرفع جذعي وأتكلم.. لأخبرها أن عضوي هذا تابع لجسدي.. ولا علاقة له بالملابس.. لكني خشيت من هذا!
"بالله عليكِ.. إن أردتي أن تمزقيني لأشلاء.. فلا تجعليني أراه أول أعضائي المفتتة"..
الغريب أنه اللعين انتصب وهو في فمها بداخل لباسه!
وصار الأمر أشبه بلبوءة تمارس لي الجنس الفموي..
وجدتها تتركه.. وترفع رأسها , ناظرة إليه من بعد..
تريد أن تستكشف ذلك الشيء العجيب..
هل تفهم من هذا أني لا أزال حياً.. فيكون هو سبب تمزيقي لأشلاء الآن؟!
...............
تقترب من جديد لتزيل قطعة الملابس المتبقية..
وبعدها..
أخذت تمرر يديها المرعبة عليه في حنان عجيب..
ثم احتوته داخل فمها..
أغمضت عيني بشدة..
لدرجة أن عضلات جفوني كادت تنفجر..
أنا الآن في انتظار القضمة القادمة..
سأشاهد نصفه.. في فمها..
بينما يبقى لي نصف عضو تنبثق منه الدماء!
...................
لا أريد رؤية هذا المشهد..
لن أموت بهذه الطريقة!
شعرت بلسانها القذر يمر عليه..
فانتصب أكثر..
وكأن له متعة خاصة.. لا علاقة له بعقلي أو بخوفي على الإطلاق!
لا أدري حقاً ما الذي يفعله ذلك الوغد..
لكني شعرت الآن ببعض الألم..
مخالبها تمر عليه جيئة وذهاباً..
بملمس كفيها المُخلَّبة المرعبة..
هل ستأتي القضمة الآن؟؟
نصفه في فمها..
ونصفه الآخر تنبثق منه الدماء؟؟
.........................
لاااااااااا!!
إنه أسوأ كوابيسي!
لكنه لم يكن كابوس على الإطلاق..
إنها حقيقة..
لا يزال اِحتكاك أنيابها به مؤلم..
وعندما رفعت رأسها بفمها عنه..
أرخيت من ضغطي على عضلات جفني قليلاً.. فعدت ثانية لوضع الرؤية الشاحبة..
وجدت السائل الأبيض الرقيق يقطر من أنيابها..
ذلك اللعين يعيش حياته في عالم مستقل تماماً عني..
لا يشعر برعبي.. ويتعامل بعبث خالص.. كأنه يريد أن يصل لمتعته الأخيرة..
قبل أن يتحول لنصفين..
نصف في فمها!
ونصفه الآخر معلقاً في جسدي تنبثق منه الدماء!
........................
بعد ذلك.. وجدتها تقترب بوجهها من بطني..
أخذت تنزع بأسنانها الشعيرات منها.. فأقاوم الألم قدر استطاعتي..
هي تقوم بعملية النتف كما نفعل نحن في الطيور..
كم عدد الطيور التي التهمتها في حياتي وأنا مستمتع, وغير مهتم بجريمتي التي شاركت فيها بطريقة غير مباشرة؟؟
وربما كنت أتحدث عن الإنسانية والحب والرومانسية والسلام وأنا اَلتهم الطيور هذه..
حان الآن وقت تطبيق العدالة..
وقت التوازن الطبيعي..
وقت أدفع فيه ثمن كل جرائمي التي شاركت فيها دون أن أعلم..
وكوني لا أعلم .. ليس عذراً بالطبع..
كل القوانين لا تحمي المغفلين..
لكن ما قيمة هذه الفلسفة \السفسطة الفارغة؟؟..
أنا سأموت على أي حال..
بغض النظر عن كوني ظالماً أو مظلوماً..
لست في حاجة لأن أبرر للآخرين قتلي.. لكي أموت راضياً..
فأنا في النهاية سأموت ولن أصير شيئاً..
سيبكي الأقربون..
ثم سينسون..
والآن.. هي تطبق بمخالبها على جلد بطني.. ثم تجذبه إليها..
أشعر الآن بألم قاسٍ وقوي.. وأنا أقاوم أن أقاوم..
حانت اللحظة الحاسمة..
مرحباً بالموت الجميل..
أهلاً بك صديقي القادم..
.......................
2
كان الألم لا يطاق..
لو نظرت إلى بطني ربما وجدتها مفتوحة الآن والدماء تبنثق بغزارة..
لكنها كانت لا تريد تمزيق الجلد..
هي تريد أن تحملني بأنيابها..
وعندما رفعتني من جلد بطني..
شعرت بتمزق.. وتسلخات قاسية..
ويبدو أنها لاحظت ذلك..
أو أن حملها لي بهذه الطريقة لم يريحها..
فتلقيني على الأرض من جديد..
إنها تريد أن تحملني لتأكلني بعيداً..
في عرينها..
هي وحولها الأشبال..
...................
اَستمع إلى صياح النسور حولي..
اقتربوا عندما رأوا الدماء تنزف من بطني..
وها هي جثة هامدة.. تكون وجبة جيدة ينهشوا فيها لأيام..
لكنها أخذت تطلق زئيراً مرعباً جعلتهم يطيروا راجعين من حيث أتوا..
لو نجوت من اللبوءة.. ستلتهمني النسور الآن!
أيهما أفضل؟
ربما لو أخذت دقيقة كفاصل لاستطعت أن أقتل نفسي.. واستريح للأبد من عناء التمزق حياً..
.....................
وبعدما ابتعدت أصوات النسور..
وجدتها تدفن رأسها أسفل ظهري..
ثم تدخل بظهرها..
ما الذي تريد فعله؟
لا أعلم!
فجأة.. رفعت نفسها.. وانتصبت من جديد..
لأجدني محمولاً على عنقها!
أنا على عنق اللبوءة..
وتسير بي هكذا..
بينما ذراعي وساقي يكنسان أرضية الغابة بالنباتات والحشرات اللطيفة..
أستأذنكم.. لأني ذاهب الآن إلى عرينها..
إن لم يكن هذا الموعد المناسب للإصابة بسكتة قلبية..
فمتى إذاً؟؟
.....................
بعد ذلك.. توقفـَت بي أمام تجويف محاط بالصخور..
ألقت بي بعنف وسطها.. فاصطدمت رأسي بصخرة..
فصدرت مني آهة , لم اَستطع مقاومتها..
فوجدتها تقترب من فمي.. ثم تلعقه..
وتذهب!
.........................
أنتظر قليلاً..
لا توجد إلا أصوت حشرات أو ضفادع أو كائنات فضائية..
أفتح عيني تماماً..
لأجد السماء فوقي لا تزال زرقاء..
وحولي أشجار عالية كثيفة يتقافز عليها قرود أو تماسيح.. لا يهم!
وأنا محاط بأربع صخور ضخمة..
يقترب مني شبل مرعب..
فأغمض عيني..
يحيط رقبتي بفكيه.. ويضغط!
وفجأة..
شعرت بلكمة هائلة في بطني..
علمت بعدها بقليل.. أنها كانت مِن دفع اللبوءة للشبل , فسقط بكفه المخلبي على بطني..
لا أصدق!
هي تدافع عني..
ربما تريد أن تخبر شبلها-بلغتها الودودة التي تبدو قاسية لي- أنه لا يجب أن نسرف وفلننتظر حتى نأكله في الغد..
ربما تريد أن تجري علي بعض التجارب الأخرى..
لا أعلم..
لكني أدركت الآن أني لو لم أمت متمزقاً سأموت من رعب الانتظار..
ربما سيتناولوا الليلة ذراعاً مني..
وغداً الذراع الآخر..
وبعد غد.. رِجل..
وبعده رِجل أخرى.
لأتحول في النهاية لقطعة مربعة لا تزال حية –لو لم أمت من النزيف- .. يلتهموا فيها ليومين آخرين..
ويا حبذا لو جذبوا ضلعاً كل يوم.. كالريش التي كنت استمتع بها في المسمط..
ثم جزءاً من الفِشة المعروفة بالرئة..
ولو تم تغميس اللسان ببعض الدماء الخارج من فتحاتي -التي طارت أعضائها- ربما لصارت الوجبة أطعم وأجمل!
بعد قليل أتى الأسد مع شبلين آخرين..
يبدو أنه زوجها بالطبع.. وهاهي الأسرة قد اكتملت حول مائدة الطعام..
ماذا لو أخبرته بأي طريقة أن زوجته.. السيدة اللبوءة المحترمة قد لعقت قضيبي..
هل سيقتلها ويتركني؟؟
أم سيفترسني معها؟؟
لكن اللبوءة أقوى من الذكر بلا شك..
بالتأكيد سأكون أن المذنب لأنه لن يقوى عليها ولا على فراقها..
ولا يهم أن يكون عضوي داخل فمها.. فبعد قليل ستذهب أمعائي داخل فمه..
.....................
ظللت راقداً هكذا استمتع بمختلف أصوات الحيوانات.. وأشعر بالحشرات وكائنات ذات ملمس عجيب تمر على جسدي.. وأنا أفكر في كل السيناريوهات السوداء الممكنة..
حتى أتى الليل.. بسواده وظلمته وكئابته..
..................
شعرت بخطوات قادمة.. وهناك بعض الزئير..
حتى اتضحت الصورة..
وجدت أمامي غزالاً معلقاً في الهواء.. يجدف بسيقانه..
...............
في البداية ظننت أن هذا من تأثير هلوسة الرعب..
إلا أني تابعت باقي المنظر..
كان الغزال بين أنياب اللبوءة..
وخلفها الأشبال فرحون..
ألقت بالغزال الجريح بجواري..
كان ينزف بلا توقف من رقبته..
وسيقانه تتحرك بسرعة..
فرفسني في قصبة رجلي.. فشعرت بألم فظيع جداً..
هون عليك أيها الغزال.. فأنا ضحية مثلك.. فلا داعي لإيذائي أنا أيها الوغد الجبان..
لماذا لم تدافع عن نفسك؟؟
لماذا وضعت نفسك في صورة الفريسة دائماً؟؟
ألا تعرف ما الذي تستطيع فعله بقرونك هذه؟؟
لو دفعتها في عين أسد من هؤلاء لخر صريعاً..
لكنك مؤمن أنك ضعيف وعاجز.. فتستسلم للأنياب..
لماذا لا أقول هذا الكلام لنفسي؟؟..
لأنه ليس لدي قرون..
ولدي تبريري لمخاوفي وسلبيتي بالطبع.. فهذا ما يفلح فيه البشر العاجزين أمثالي حين يعجزوا عن استخدام عقولهم الأذكى من عقول تلك الكائنات الأٌقوى!
لا داعي للكذب على نفسي.. فالغزال في النهاية يقاوم مصيره..
وإن أخذت أبرر هذا أني لا أقاوم لأني أدرك فشل المقاومة بلا شك..
فأنا ميت.. لا محالة..
....................
ثم تتكالب اللبوءة وأشبالها حول الغزال.. ويبدأوا في افتراسه..
أشاهد لحم الغزال وهو بين أفواههم..
هي بروفة للضحية القادمة..
لكن مهلاً أيها السادة..
"أنا جيت هنا الأول"
لا أعلم لماذا تم تأخيري حتى الآن..
لو كان هذا كابوساً.. فلن أنام ثانية حتى أموت!
....................
3
أمنع نفسي من التقيؤ من الرائحة.. لحم الغزال النيء مع الدماء..
بعد قليل..
اللبوءة تقترب مني وفي فمها قطعة من لحم الغزال..
مممممم..
حان وقت اِلتهامي الآن..
لم أدرك أنكم نهمون إلى هذا الحد..
يبدو أني بمثابة الحلو بالنسبة إليهم..
أجدها تقتح فمي بقبضتيها المخلبيتين..
وتقترب بفمها من فمي..
ثم تلقي بقطعة اللحم هذه.. داخل فمي..
الآن.. قطعة لحم الغزال النيء -الذي كان حياً منذ قليل بجواري- داخل فمي!
.................
دوماً ما أتخيل السيناريوهات السيئة القادمة..
وإن كان ما يأتي في النهاية سيناريو أسوأ وأقل بساطة!
سيناريو سهل وممتنع..
سأموت من القرف والغثيان بالطبع..
لكن القرف لم يبلغ ذروته معي..
ربما لأني كنت ميتاً من الجوع..
هي تريد أن تطعمني لكي تعلفني جيداً كما تـُعامل البهائم.. تمهيداً لذبحها وهي سمينة , ممتلئة باللحم..
ربما لأنها شعرت أني نحيل ولا يوجد لحم وفير يُرجى مني..
المفروض الآن أن أمضغ الطعام.. فأبدأ أن أشعرها أني حي وأتحرك..
لكن معنى أنها وضعت طعاماً في فمي..
يعني أنها تدرك أني حي بلا شك..
كيف علمت أني لا أزال حياً..
وإن علمت هذا لمَ لم تلتهمني أو تميتني؟!!
لا أعلم!
وجدتها تخربش على فمي من الخارج.. حتى أدمت شفتي..
هي تريدني أن أمضغ..
أغمضت عيني بشدة.. يجب أن أفكر بسرعة وبسلام!
................
أنا الآن جوعان..
مهدد بالموت جوعاً..
ولو أكلت.. سأصدر حركة فأصبح مهدد بالموت افتراساً..
ربما خدعة منها لتراني أمضغ فتفترسني؟؟
...............
لو أكلت.. قد أموت من القرف من هذا الطعم..
لكني يجب أن أبحث على أسلم طريقة ممكنة..
...............
لا مفر من المضغ والبلع..
خاصة وخربشاتها تزداد على فمي..
لا مفر من المضغ لأني جوعان!
لا مفر من المضغ.. لأنها لو رأت فكي يتحرك فلتفترسني الآن وليأتِ الموت السريع.. خير من الانتظار والتعذب..
لا مفر من المضغ.. ولأتخيل أن في فمي الآن قطعة بنية خارجة من الفرن للحم الديك الرومي الشهي مع طبقة الجلد الشبه محروقة , التي تعطي مذاقاً رائعاً شهياً..
وأقوم بالمضغ..
وتتحرك عضلات وجهي..
وبالمرة.. أفتح عيني وأنظر لأجد اللبوءة وحولها الأسد والثلاثة أشبال.. ينظرون إلي في ترقب..
أغمضت عيني من جديد..
وتوقفت عن المضغ..
.........................
مع خربشات أخرى على فمي.. وقطعة غزال أخرى تلقى بداخله..
أقوم بالمضغ وتفتيح عيني من جديد..
اللبوءة تقرب وجهها من وجهي..
ربما ستقول : بخ!
ربما ستنزع قناعها ليظهر "إبراهيم نصر" ليخبرني أنه الكاميرا الخفية لأقوم بافتراسه بنفسي وتحويله لأشلاء..
وجدت الأشبال يدورون حولي..
وفي استعباط طفولي يقوموا بضربي ونهش جسدي..
وهي تهش فيهم وتطلق زئيراً تجاههم أماتني رعباً ولم يغير فيهم شيئاً..
الصغار دوماً مقرفون ومزعجون!
هل أقوم بود مثلاً لأربت على رأس أحد الأشبال موجهاً حديثي لأمه اللبوءة لأسألها : والشبل الأمور ده كام سنة دلوقتي؟
.....................
أشعر أن عضلات ظهري وجسدي بأكمله قد تخشبت.. قد تنمو عليها قرح من هذه الرقدة الطويلة ثم تأتي الغرغرينا.. فيحدث البتر!
وتتحول –وقتذاك- اللبوءة مع أبنائها وزوجها لطاقم طبي رائع..
وهناك تنميل غريب في أطرافي..
لا أشعر بها..
أحمد لله على ذلك.. فلن أشعر بها وهي-أطرافي- تذهب بعيداً عني لتخاصمني للأبد..
.................
على أقل الأحوال سوءاً.. ربما اللبوءة تريدني كديكور لديها بين الصخور..
إنسان تحتفظ به كما نحتفظ نحن بالقطط والكلاب!
هي بالتأكيد لم تشاهد إنساناً من قبل.. فأرادت الاحتفاظ بي..
...................
ربما يتناول أحد الأشبال الملاعين ذراعي وهي نائمة أو غائبة..
ثم تعود لتخبره بزئيرها "عيب يا حبيبي , البشر يقولوا علينا ايه؟"
.................
إن كان لا يوجد من الموت مهرب فمن الوساخة أن أموت جباناً..
من الوساخة أن أعيش ديكوراً لدى تلك الكائنات الأقل مني تطوراً وإن بدت أقوى وأكثر سيطرة..
سأنهض!
....................
أحاول أن اَستجمع قبضتي..
أركز في هذا طويلاً..
حتى أشعر بها..
أسمع زئيرهم.. فلا أبالي..
أنا لا أخاف منكم الآن أيتها القطط المتضخمة..
أنا إنسان!
أنا لدي عقل أكبر من عقولكم..
أنا إنسان!
بداخلي مشاعر تتألم..
ودموع تنهمر..
أرتدي الملابس..
وأكل أكلاً مطهياً..
أنا لست حيواناً مثلكم أيها الحقراء..
بالتدريج.. أسند بكفي على الأرض ثم أرفع نفسي.. وأقف فجأة..
لأجدني أقع مغشياً علي.. قبل أن أراهم يقتربون مني بأنيابهم!
.................
4
بعد أسبوع..
أجدني قد اعتدت الحياة هذه.. لدرجة أني نسيت حياتي الطبيعية..
أصحو من يومي..
لأتمرن على بعض التمرينات الرياضية الصعبة التي تؤهلني للبقاء في الغابة..
الأشبال يقتربون مني يلعبون أو ينهشون في جسدي..
لكني تعلمت من أمهم اللبوءة أن أصفعهم بمجرد الاقتراب مني..
في البداية كنت أتوقع أن يكون رد فعلهم أو رد فعل أمهم عنيفاً لكنهم كانوا لا يتألمون..
كان هذا يعادل اللعب بالنسبة إليهم..
وجدتني استمتع أكثر بسبهم بطريقتي البشرية عندما يقتربوا ليعبثوا معي أثناء ممارستي الرياضة..
"العبوا بعيد يا ولاد اللبوة"
الغريب أنه عندما كان يقترب مني ذئباً أو نمراً أو حيواناً متوحشاً آخر أو ما شابه..
كانوا يبعدوه عني..
ربما لأنهم أحبوني!
ربما لأني ابن الرب المختار كما اَعتقد دوماً..
ربما لأنهم لم يحبوا أن يقترب أحد من لعبتهم..
لذا كنت لا أتضايق من وجودهم بجواري.. وأصبحت استمتع بضرباتهم ولا أتألم بها.. لابد أن يكونوا بجواري على الدوام..
الأسد لم أشاهده منذ ما كنت منبطحاً مستسلماً..
يبدو أنه ذهب لينكح لبوءة أخرى..
أما اللبوءة فكانت تأتي لنا بالطعام.. غزال أو عجل أو حمار وحشي.. لنأكل سوياً..
وكنت استمتع بالأكل معهم بطريقتهم البدائية دون أن أنسى أن أغسل يدي من ماء البركة القريبة.. التي أشرب منها أيضاً..
..................
المشكلة أني وقعت في عالم لا توجد فيه خِلة للأسنان..
ولا توجد سجائر أيضاً..
لكني لم أشعر بالرغبة في التدخين أبداً , رغم أني كنت مدخناً شرهاً , أدخن 4 علب يومياً قبل وصولي للغابة..
ربما لأن هواء الغابة النقي هذا عندما ملأ رئتي.. شعرت بغاز جديد يتسرب بداخلي.. جعلني أبدل حياتي..
لا أعلم..
وبعدما كُنّا نفرغ من الطعام.. كانت اللبوءة تقترب من عضوي لتلعقه كعادتها..
كنت في البداية أخجل من هذا الفعل أمام أطفالها..
لكن الأشبال كانوا لا يبالون..
أو على أقل الأحوال يفعلوا ويفتعلوا العكس..
فنادراً ما يُصدم أحد في أمه.. خاصة لو كانت لبوءة..
..................
كانت عندما تقترب مني ولا تجدني منتصباً بعد محاولة منها.. تبتعد عني وهي تشيح بيدها.. ربما ضربتني بكفها في خصيتي.. فأتألم قليلاً..
إلا أني ذات يوم اِشتهيتها كثيراً..
فأخذت أمرر يدي على فرائها المرعب الذي شعرت به مغرٍ وقتذاك..
وأخذت أقبلها قرب رقبتها..
لا قبلة بالفم.. ولا لسان باللسان..
فكفة الأنياب غير متعادلة!
لكني أحببتها..
فلابد أن يأتي أي توافق ممكن ليتوج هذا الحب..
كانت فتحة فرجها صغيرة.. فظللت أحاول طويلاً أن أمر بداخلها..
ولم أيأس.. خاصة وهي مستسلمة لي.. تطلق زئيراً ناعماً.. حتى فعلّتَها!
وانطلقت في الهز والدك وهي هادئة.. تصدر مواءً أقرب للقطط.. لا يمت بصلة لزئير الأسود!
....................
الآن أنتِ تتحولين لقطة يا صغيرتي..
كان رأسها يتمايل في نعومة وإغراء..
حتى انتهينا..
استلقيت بجوارها على حشائش الغابة.. يملؤني العرق.. وأنا كلي رضا عني وعنها..
فاقتربت مني لتعلق وجهي بحبيبات العرق بلسانها.. الذي وجدت رائحته جميلة جداً وقتذاك!
أدركت وقتها أنها أحبتني من البداية عندما قامت بلعق وجهي فور ما رأتني..
لقد اِصطفتني!
..................
كنت أشعر بالغيرة عندما أراها تفعل هذا الفعل مع أشبالها..
فأقوم لأجذب وجهها بعيداً عنهم..
فتقابل هذا بزئيرٍ مرعب يهزني..
فأتركها لحالها..
محاولاً تجنب مشاعر الغيرة هذه..
وقلت لنفسي أنها تنظفهم لا تداعبهم مثلما تفعل معي..
..................
مع مرور الوقت..
صرت ضليعاً في تسلق الأشجار وأكل النباتات..
وصار جسدي رياضياً رائعاً.. وتصادقت مع القرود..
وكنت غارق في نهر العسل مع حبيبتي هذه..
حتى وجدتها كسولة ذات يوم..
لم تذهب للصيد..
وهناك اِنتفاخ في بطنها..
عندما وضعت يدي عليها شعرت ببعض اللكمات..
هي حامل!
فعلتها الخائنة!
أم أنه...
أو يمكن للبوءة أن تَحمل من إنسان؟؟؟
..................
5
بعد عامين..
كان شعري طويلاً جداً.. وكذلك ذقني.. كثيفة ومغبرة..
كنت أسير كالعادة مصطحباً ابني بجواري.. "هيومانليون"..
له وجه أسد وجسد إنسان..
وكان يتكلم بلسان بشري.. وأقوى من كل الأشبال التي في مثل عمره..
أخبرته أنه أول كائن من نوعه يأتي إلى الدنيا..
فكشر عن أنيابه وأخبرني بلغته الطفولية الرقيقة التي بها حشرجة زئيرية أنه سعيد بهذا..
وكان الأشبال يكبرون..
كنت أخاف منهم لدرجة أني صنعت رمحاً من شجر الغابة أسير به دائماً..
رغم أني كنت أحبهم .. إلا أن الخوف والشك لا يزالا موجودين!
وفجأة.. ماتت اللبوءة!!
.......................
وجدتني أبكي كما لم أفعل من قبل..
أخذت أرج جسدها كثيراً.. فلم تستجب..
لم أترك بقعة من جسدها إلا وتركت عليها قبلاتي ودموعي..
إنها من آمنت بي.. حين كفر بي الجميع..
هي التي حمتني من الغابة وأهلها..
هي التي جعلتني أشعر بالسيطرة.. بعد أن كنت اَرتعد خوفاً..
هي الحب الفطري الطبيعي الحقيقي الوحيد في حياتي..
لن احتمل البقاء في الغابة بدونك..
كان أشبالها قد رحلوا منذ مدة.. بحثاً عن إناث ينكحوها بعدما كبروا ولم يصيروا أشبالاً..
وكان "هيومانليون" اِبننا.. حزيناً..
لكن لم يبدُ الحزن على وجهه.. أنا أشعر به..
أخبرته أني سأذهب إلى شط المحيط.. سأشرب وآكل الأسماك الميتة التي يلقيها الماء لي.. وأوراق الأشجار المتساقطة.. حتى يأتي عابراً في سفينة ليأخذني بعيداً عن هنا..
سأرحل يا ولدي..
لن أبقى بعد رحيلها..
أخبرته أن يهتم بالغابة.. وأن يصير سيدها من الآن..
فهو المصالحة بين الطبيعة البشرية والطبيعة الحيوانية..
هو نقطة التلاقي بين الحب والوحشية..
بين الجوع والتضحية..
بين الجنس والألم..
بين البرد والحر..
بين المادية والرومانسية..
ستصير أنت سيد الغابة يا "هيومانليون"..
وربما سيد الكون..
أنت الآن من بيدك حقيقة أنه لا مستحيل..
أنت ثمرة الحب وابن حبيبتي الوحيدة..
أنت اِبن الخيانة.. اِبن الخطيئة.. اِبن التطور..
انت اِبن اللبوءة..
اِبن الإنسان..
اِبن الحيوان..
اِبحث عن طعام لك ليس بنبات حي أو حيوان..
فلتأكل الأموات.. حتى لا تؤذيهم..
إياك وأن تؤذي كائناً حياً أياً كان يا ولدي..
فلتدمر التوازن الطبيعي..
قاوم الطبيعة العبثية التي بداخل كل الكائنات الحية..
اِبحث عن حبيبة لك.. أي كائن من أي نوع..
جرب أن تأتي بـِذُرية من بعض النباتات علنا نظفر بسيد كون آخر تتحقق لديه العدالة..
حيث لا أسود تلتهم الغزلان..
لا غزلان تلتهم نباتات..
لا نباتات تلتهم حشرات..
لا حشرات تلتهم فطريات..
حيث الرحمة والعدالة في كل شيء..
ولتبقَ صعاب الحياة في تحويلها لحياة رحيمة..
الصعاب ستظل باقية يا ولدي.. فهي لن تصير جنة..
فالجنة مملة وغير عادلة وسخيفة على أي حال..
الحياة أجمل بصعابها.. لكن فلتكن الصعاب هذه من أجل خدمة الكائنات الحية..
واحفظ سير العظماء الذين رحلوا ومن مهدوا لهم الطريق..
.........................
وذهبت إلى الشط منتظراً قدوم سفينة استكشافية لأحد المغامرين..
لكي أذهب إليهم لأخبرهم أني فـُقدت منذ أعوام على هذه الجزيرة, وأطلب منهم أن يأخذوني ثانية إلى عالمهم البغيض..
...........................
..............

11‏/07‏/2010

"أوتوجراف مغمور"

............
وقتها..
كنت جالساً في المقهى , منتظراً صديق..
وكنت متغافلاً عن ذلك الرجل الأربعيني الذي كان يركز عينه على وجهي..
ربما مخبر..


ربما منحرف جنسياً..


ربما يُشبـِّه..


ربما أحول..


ربما يعجبه شكلي..


ربما سارحاً , ولا يعتقد أنه أصلاً ينظر إلي..
حتى اقترب مني..
طلب أن يجلس على المقعد المقابل..
وافقت بترحاب..
جلس..
"أنا سعيد جداً إني شوفتك"
ابتسم : "أنا أسعد"
يتلعثم في الكلام, يحاول أن يستجمع أفكاره..
أهز رأسي مع ابتسامة لأشجعه..
يستمر في اللعثمة وهو مرتبك..
أشيح بوجهي بعيداً لثوانٍ..
أعود إليه بنظري , لأجده توقف عن ارتباكه..
وعاد صامتاً..
ابتسم..
"حضرتك تعرفني؟"
يُخرج من جيبه ورقة وقلم..
"أنا بس مش مصدق إني قابلتك.. وكنت عايز , عايز أوتوجراف من حضرتك"
أضحك..
"حضرتك فاكرني مين؟"
يقول : "أنا حاسس بيك.. وده كفاية"
امممم.. كنت ناقص جنان!
"حاسس بيا إزاي يعني؟"
يقول : "أنا مش عايزك تفهمني غلط.. أنا حاسس إن جواك حد أعرفه.. وعايز توقيعك"
أقول : "وعايز توقيعي ليه؟.. هتوريه لمعارفك يعني تحت مسمى (توقيع حد جواه واحد أعرفه)؟؟"
يقول : بالظبط, كدة إنت فهمتني..
أضحك..
يقول : "أنا عارف إنك بتقول عليا مجنون.. بس أنا مش مجنون.. أنا مش بنبهر بالمشاهير اللي الناس كلها عارفينهم وبيجروا وراهم.. رغم إن أرواح المشاهير عادية جداً مش بتجذبني.. إنت بجد روحك مشهورة جداً على الأقل بالنسبالي"
أقول : "طيب م أنت هتاخد توقيع من الشخص نفسه.. مش من الروح"
يقول : "أنا عايز أعرف هتخسر إيه لو عملتلي أوتوجراف؟؟!!"..
أقول في قرف وملل : "ماليش مزاج"!
يقول في فرحة : "هااااااااااايل.. والله زي ما توقعت بالظبط.. أنا دلوقتي لو كنت طلبت أوتوجراف من أكبر مشهور في الدنيا كان خلصني في ثانية.. شوف إنت شغال بتتنك عليا إزاي.. عشان تعرف بس إنك أحسن من أي مشهور.. بس أنا مش هيأس على فكرة.. لازم أرجع بأوتوجراف منك!"
أنظر إليه ملياً وهو يتحدث بحماس هكذا.. لأجدني أطلق ضحكة كبيرة..
يقول : "اوعى كمان تفتكر إني عايز إمضتك عشان أئذيك ولا حاجة.. أنا ماعرفكش.. وأنا مش شاذ ولا نصاب ولا أمن ولا أي حاجة.. أنا مؤمن إن روحك عظيمة جداً.. روحك ديه كانت موجودة في حد عظيم قبل كدة.. وبتروح من واحد للتاني كل 1000 سنة.. يا راجل! ده أنا ما صدقت لقيتك!"
أقول : "طيب.. الصراحة أنا استمتعت جداً بكلامك.. بس للأسف أنا مضطر أحرم نفسي من المتعة ديه.. عشان أنا مستني واحد صاحبي.. وعايز شوية هدوء"
يقول : "طيب أنا عايز أوتوجراف وهمشي على طول"
أقول له همساً وأنا أشير إلى صبي المقهى : " شايف القهوجي اللي هناك ده؟"
يهمهم..
"ده روحه أعظم من روح أي حد هنا.. ألحق بقى خد منه أوتوجراف.. قبل ما يموت.. (ثم أشير إليه ليقرب أذنه أكثر).. بيقولوا إن روحه السابقة كانت في (جنكيز خان) شخصياً"
ينظر إلى في تصديق.. ثم يثور : "إنت فاكرني مجنون؟!.. أنا بتكلم جد.. وإنت بتهزر!"
أقول في نفاذ صبر : "ولا تزعل نفسك.. هات!"
(يناولني الورقة والقلم, فأقوم برسم أربع خطوط أفقية , يتقاطع معها أربع خطوط رأسية) ..
"اتفضل يا سيدي.. أي خدمة"
بعدها..

تلقيت لكمة قوية في عيني.. فصلتني عن الدنيا بعض الوقت..

..........................

04‏/07‏/2010

"شاوشنك"






...............
هنالك أفلام أحبها , أقبل أن تكرهها..
هنالك أفلام أكرهها , أقبل أن تحبها..
لكن مع فيلم مثل
"إصلاحية شاوشنك" لا يوجد أمامك إلا أن تحبه أو أن تعشقه..
...............
الفيلم عُرض في دور السينما في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1994 , ولم يحقق أية إيرادات تتناسب مع عظمته , فالجميع كان مشغولاً وقتها بفيلم
Forrest Gump - 1994.. وإن لم يكن هذا الفيلم .. فهناك Léon - 1994 الفرنسي , وLion King - 1994 وPulp Fiction- 1994..

وبدأ النقاد ينتبهوا إلي "إصلاحية شاوشنك" عندما بدأ تسويقه فيديو.. فمن هو المخرج "Frank Darabont" الذي لم يفعل شيئاً قبل هذا الفيلم إلا أن أخرج فيلماً قصير عن قصة لــ Stephen King -كاتب المخرج المفضل- وفيلم تلفزيوني مرعب .. وكلاهما ضعيفا المستوى.. لدرجة أنه ظل أعواماً في بيته .. يائساً , محبطاً , لا يفعل شيئاً في حياته.. حتى أعاده Stephen King للحياة من جديد.. بعدما قرأ قصته القصيرة "ريتا هيوارث وإصلاحية شاوشنك" .. وقرر "Darabont" أن يكتب لها سيناريو ويخرجه بنفسه.. وأن يكون عنوان الفيلم "إصلاحية شاوشنك" فقط حتى لا يفهم أحد أن الفيلم سيرة ذاتية لنجمة الإغراء الراحلة Rita Hayworth .. كما وصلته رسائل من العديد من الممثلات يطلبن فيها أن يؤدين دور النجمة!
..................

الجميل أن "ما وراء الفيلم" يتطابق مع "ما داخل الفيلم" ..

فــ Frank Darabont معروف أنه مخرج متوسط الموهبة .. إلا أن براعته تكمن في أنه يعرف مقوماته جيداً ويستغلها بصورة ممتازة دون حاجة إلى فذلكة أو استعراض بلا داعٍ .. دون أن يشطح بعيداً عن فهم وذوق المشاهد البسيط الذي يريد فقط أن يستمتع بالفيلم على أقل الأحوال.. وكذلك كان "آندي" بطل الفيلم!
........

بالتأكيد.. لن تنسى ذلك المشهد الذي يخرج فيه "Morgan Freeman" من غرفة المحلفين ويغلق الباب خلفه دون أن يلمسه رغم أن المسافة بين حافة الباب وظهر "Morgan" قد تكون سنتي واحد..أو أقل!
أيضاً كاميرا الهيلوكوبتر التي أرتنا مدى مناعة وعظمة هذا السجن..
وطبعاً نهاية الفيلم التي ستشعر بها كمذاق السكر في فمك..
نهاية الفيلم أثبتت أن المخرج هو الفيلم ذاته..

فــ "آندي" بطل الفيلم الذي كان يشترط على ظابط السجن شراء البيرة من أجل أصدقائه رغم أنه أقلع عنها..

نجد مخرج الفيلم يضع إهداءً للفيلم في النهاية لصديق عزيز عليه توفي أيام التصوير بعد مضاعفات الإيدز اللعين..
(في ذكرى "آلان جرين"..)
وأتي سطر الذكرى بصورة لا أريد أن أحرق تفاصيلها..
لكنها تشعرك بأنك قد قابلت شخصاً تحبه في الجنة ..
(آمل أن يكون المحيط أزرق كما رأيته في أحلامي.. آمل .. آمل)


.............

وبالتأكيد لم يتخيل أكثر المتفائلين ولا Darabont نفسه أن الفيلم سيصبح بعد مرور 15 عام من عرضه..
أعظم فيلم في التاريخ على عهدة الموقع السنيمائي الأول دون منازع ..
www.imdb.com
......................
أحيانا أرهق نفسي-عن متعة- في محاولة استخراج الرموز من أي عمل كتابي\سماعي\ مرئي.. قد لا يستحقه العمل.. وقد لا يقصده طاقمه..
هذا الفيلم شاهدته مرتين..
أول مرة فعلت منتحلاً شخصية شاب عادي.. لا يجد غضاضة في أن يستمع إلى "مصطفى قمر" ويشاهد فيلماً رشحه له صديق تحت مسمى "فيلم حلو تشوفه قبل ما تنام".. فكانت النتيجة أني استمتعت..وأي استمتاع!!.. من حدوتة لذيذة ونهاية مفاجئة..
المرة الثانية شاهدته منتحلاً شخصية شاب مثقف , يدّعي في نفسه القدرة على فهم أغاني (Pink Floyd) أكثر من أعضاء الفريق ذاته..شاهدته وهناك همس من شاب المشاهدة الأولى.. يرشحه لشاب مختلف عنه معتقداً بوجود رموز فيه يريد التأكد منها..
وكانت النتيجة.. أن الإثنين بداخلي أُعجبا بالفيلم.. وانبهرا به.. صحيح إني لم أعتبره الأفضل على الإطلاق.. لكنه بلا شك من الأفضل!
....................
الفيلم دقيق ومعقد جداً جداً جداً ..


وفي نفس الوقت سلس وبسيط جداً جداً جداً..
كُتب بإمعان ملحوظ..
فنحن طُردنا من الجنة كنتيجة تمرد جدنا آدم على خالقه وحملنا ذنبه للأبد..


وصار وجودنا في الدنيا مرتبطاً بذنب لم نرتكبه..
رغم أننا-كلنا- مساجين في تلك الحياة إلا أننا نقابل فيها المتحكمين والقذرين..
لكن هناك أيضا الأصدقاء والبسطاء ..
قد لا يحتمل أحدهم الحياة ولا يستطيع التعامل معها كما صرخ أحد المساجين..
(أنا لا انتمي إلى هذا المكان.. أريد أمي)
فيموت ويذهب للأبد..
أو قد لا تحتمل الحياة خارج السجن بعد أن مكثت فيه لـ 50 عاماً..


فتتمنى أن تعود إليه من جديد..

أو قد تصبر وتؤمن بالأمل..
وتصبح مخلداً.. صاحب رسالة..


................
يُقال أن الخلاص داخل الكتاب المقدس..
لكن ما معنى الخلاص هنا؟
سيحدثوك عن جنة أبدية وحبة عنب تأكل منها أياماً لكن في الفيلم ستعرف معنى الخلاص الحقيقي لا الشاعري..
هل كانت هناك سخرية من الكتاب المقدس؟
أم كان الخلاص فعلاُ عن طريقه سواء آمنت به أم لم تفعل؟
هذا غير واضح..
كعادة أي فيلم جميل يجب أن ينحاز للفن فقط..
لا مع الموروثات ولا ضدها..
ويبقى المشاهد ليترجم الرموز كما يتوافق مع شخصه وفلسفاته..

...................
لو كان هناك إلهان في العمل الفني لفسد.. لذلك عبر "
Stephen King" عن ارتياحه وإعجابه التام بالفيلم..عكس ما فعل مع المخرج "Stanley Kubrick" بعد فيلم "The Shining - 1980"..
فيندر أن تجد مخرجاً متميزاً وفي نفس الوقت لا يتميز بالتجبر الفكري.. كــ "
Darabont" ..

رغم أن المخرج حول شخصية "ريد" في القصة من أبيض إلى زنجي.. لأنه لم يجد أفضل من "Morgan Freeman" ليؤدي هذا الدور بسبب صوته العميق.. خاصة وهو الراوي في الفيلم..

وطبعاً لم يكن أي ممثل ليتفوق في الآداء على العظيم "Freeman" ..

..................

أحسن "Tom Hanks" صنعاً أن رفض دور "آندي" في الفيلم.. فهو كان مشغولاً في "Forrest Gumb" كما أنه لم يكن ليؤدي دور "آندي" ببراعة كما فعل "Tim Robbins" .. كما أنه لم يكن غير "Hanks" ليؤدي دور "فورست جامب" بالطبع!
..................
القصة -وبالتالي الفيلم- تحمل اقتباسات عدة من روايات وأفلام أخرى عن السجون.. ولكي يحمي المؤلف نفسه من شبهة الاقتباس دون ذكر المصدر أتت سيرة أشهر رواية عن السجون The Count of Monte Cristo - A. Dumas Pere على غرار أنها رواية تثقيفية للمساجين!


وحمل الفيلم اقتباسات أخرى من أفلام قديمة مثل ..
The Grand Illusion - 1937
The Great Escape - 1963
Cool Hand Luke - 1967
Escape from Alcatraz - 1979
Papillon - 1973
.................
الفيلم ستجد فيه كل ما تبحث عنه..
انتقام.. صداقة.. خيانة.. حب.. إحباط.. يأس.. مقاومة.. أمل..
أعجبني المنحنى الدرامي عندما ظل السجناء يتناولون سيرة "آندي" ويروحون بها عن بعضهم البعض.. كأنه نبياً مر عليهم.. وترك لهم رسالة تثقيفية..ضد الظلم والجهل والعدوان.. رسالة أن يظل الإنسان يقاوم..
مهما علت وطأة اليأس أو الشر!
.....................

"بعض الطيور لم تـُخلـَق , لتحبس فى أقفاص , لأنهم أحرار ..


وعندما يحلقون بعيداً..
فان ذلك الجزء فيك الذى كان يشعر بالذنب يبتهج..
لكن يظل المكان الذى تعيش فيه موحشاً و حزيناً على ذهابهم..
اَعتقد أنى مجرد مفتقد لصديقى"..




...................