محتوى المدونة لا يناسب من تقل أعمارهم عن 17 سنة !! (مش أنا اللي بقول)

OnePlusYou Quizzes and Widgets

Created by OnePlusYou - Free Dating Sites

سـِفـْرْ عـَاشـُوريات

15‏/01‏/2009

مترو..!

الشرود المعتاد هو ما حدث معي عندما أدخلت جنيهاً في ماكينة التذاكر بالمترو!
أما الشرود السوبر فهو ما حدث-أيضاً- معي عندما اندهشت من عدم تحرك العصا الحاجزة لجسدي وعدم خروج الجنيه من فتحة الخروج!
وهذا ما جعل الماكينة تحول إشارتها من سهم أخضر إلى (X) حمراء..

نظرت حولي لأتاكد من أني لن أتحوّل لطرفة يتذكرها أحدهم حين يحل الصمت كالطير فوق رؤوس مُسامريه (على غرار: النهاردة شوفت حتة موقف في المترو..موتني م الضحك)..
أذهب لأشتري تذكرة..أمر من ماكينة مجاورة للسابقة..أُنادي على العسكري المصاب بالانيميا..فَيلبي -متباطئا- بعينين غبية لا يغيب عنها نظرة خبث الفلاحين المميزة..أوشوشه.."في جنيه في الماكينة ديه (أشير إليها بدون نظر) افتحها وخده".. اتجاهل استبداله لنظرته بأخرى بلهاء شكاكة يرميني بها..أذهب لأرمي مؤخرتي على أقرب مقعد في انتظار المترو..
أعيش قصة حب بلا أطراف لمدة دقيقة ونصف مع فتاة تقابلني..تنتظر المترو المعاكس..أتخيلنا كزوجين..أمرر صورتها إلى مخي ليطهو إلي وجبته التي أحب تذوقها وامتعض عن تناولها..يُخرج لي صوراً عِدة..مشتركة بيني وبينها..كانت صوراً جميلة..باستثناء واحدة..أمزقها فوراً..وأنا أطالبه بصور أكثر..اتسلى بمشاهدة حياتي معها حتى يفرقنا قدوم المترو..
أركب..شخص يدفعني في ظهري..خجلي عن مواجهته يخبرني أنه لا يقصد..أنظر في واجهة الباب الزجاجية لألمح أكثر المميزين الذين سأختارهم لفيلمي..رجل يردد القرآن بصوت مُطرِب لأذني..
"وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى..وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى"..
فتاة متضخمة النهدين يشي منظرها بأن رائحتها كريهة..أحيانا أشعر أن مركز غباء النساء قابع في نهودهن!
اتخيل نفسي لو استيقظت ذات يوم لاكتشف أن تلك الفتاة تزاحمني الفراش..فأذهب بنفسي لتخيل آخر..
كيف ستكون أميرتي؟..
هناك فرق بين كيف ستكون وكيف أريدها..
خيالك يجعلك تمتلك العالم..
(يقترب مني النادل بورقة وقلم..يسألني: ماذا يطلب سيدي؟
حسن..
أريدها في رقة "Joan Fontaine"..
وبتعبيرات وجه "Drew Barrymore"..
وأنوثة "سولاف فواخرجي"..
وشفتا "Angelina Jolie"..
وأطراف "يارا"..
يسألني: بالنسبة للنهود حضرتك..تحبهم إيه؟
ونهد "هيفاء" الأيمن..ونهد "إليسا" الأيسر..
يظهر عليه الحرج في سؤال مختبئ في عينيه..فأخبره: ما يتبقى فليكن لـــ"Kate Winslet"..)
أُسئل أكثر من مرة.."نازل؟".."نازل؟!".." لو مش نازل ابعد عن الباب"
كنت اكتفي بايماءة رداً على كل سؤال..
هبطت بعد أول محطة..خبطت على ردفي الأيمن لأتأكد أن البناطيل الجينز قد صعبت مهمة النشل..
(وإن حكى لي صديق عن بعض النشالين الذين لم ييأسوا ولم يلعنوا الغرب الأمريكي..كانوا يستخدموا الموسى لقطع الجيب من أسفل..فتسقط المحفظة)
ربك ستر..المحفظة لم تضع..لكن التذكرة فعلت!
بدو أني قد نسيتها عندما انشغلت بندائي على العسكري..
لكني عندما ناديته..كان الأولى به أن يصوب نظره نحو الماكينة..فمعظم من يطلبوه يكون بسبب احتجاز الماكينة للتذكرة.. هو إذن رأى التذكرة بازغة من الماكينة عندما ناديته..أذكر هذا جيداً من نظرة عينيه وهو متوجه نحوي..بل وأجعل مخي يقوم بعمل زووم أكبر..ليظهر لي أنه قادم وهو يشير بإصبعه نحو التذكرة في حركة لم أفهمها..ظننتها حركة عصبية لا إرادية..لكني بادرته بطلب فتح الماكينة المجاورة ليظفر بالجنيه..لذلك كان ينظر إلي في بلاهة شكاكة..وكنت اعتقد أنها طبيعته..لكنه بالطبع اعتقد إني محشش!
وإلا لكان نبهني لنسياني التذكرة..آآآآآه حين تتبدى لك الحقيقة المُرة بعد فوات الآوان..
وقفت أمام الماكينة..وطلبت من شاب شكله (ابن ناس) أن يقطع لي تذكرة لكي أعبر فوافق وإن بقى على انتظاره..
"الجنيه؟!..فين؟!.."!
أخبرته إني سأعطينيه بعد أن ياتي بالتذكرة.."معلش أصلي مش واثق فيك"..يُصدر همهمة ساخطة ويتركني..
كانت بجواري فتاة تمر..ساحبة خلفها مؤخرتها الطرية خلفها..ففكرت أن الصق فيها فأظفر بالحسنيين..لكني لم أفعل بعدما غلبت شيطاني يا أطفال أو بعدما اختفت شجاعتي يا كبار..!
فجأة تطرؤ في ذهني فكرة..خاصة بعدما ظل العسكري يرمقني في شك..أذهب لتنفيذها عند منفذ خروج آخر..
اقتربت من ماكينة عليها (X) حمراء..وافتعل إني أُدخل تذكرة وهمية فيها..واستعد لافتعال الاصابة بالاندهاش عندما لا أعبر..
لأجدني عبرت..!
نعم عبرت..بكل بساطة..كنت اعتقد أن (X) معناها خطأ..اتضح أن معناها خطأ في حق الحكومة أن تمر بالمجان..
اللعنة على الحكومة!
بعدها..اتوقع انقضاض الكلب البوليسي -الذي يقارب الحمار في الحجم- على مؤخرتي..فيفشل توقعي للمرة الألف..
ابتاع كارت شحن..أنزل سلم..أطلع سلم..أسير في ممر لا تسمع فيه إلا أصوات طرق الأحذية وسط همس الصامتين..
فتاة ترتدي الإسدال تمر بجواري..تُوجهها عينان مغرورقتان بالدموع..أجدني أدمع على الرغم مني بمجرد النظر إليها..
عادة تصاحبني منذ الصغر..عيناي تدمعان في صمت حين تشاهد نفس الفعل في مثيلتيهما!
أذكر أني أقف أمام المصاب بالزكام مغرورق العينين أكثر منه..بل وأصبح سماعي لصوت مزكوم-حتى لو كان في الهاتف- مرتبط شرطيا -عندي- بزيادة نشاط الغدد الدمعية..الغريب أن البكاء بصوت قد يٌصيبني بنوبة ضحك!
لماذا تبكي الفتاة؟
لأسباب عدة..أهمها لا يُهمني..لأني لن أقدر على مداوتها..
أصعد سلم..أتوجه نحو ممر آخر..انتهي منه..أصعد سلم..انتظر بعض الأدعية المجانية لبائعة المناديل العجوز -الجالسة على أعلى درجة تستظل بدفء الشمس- على أمل أن أناولها جنيهاً لتعطيني كيس مناديل متجاهلاً نصف ثمنه كما يفعل السواد الأعظم..
أجد شخصاً يناولها جنيهاً..فتُعطيه كيس المناديل..فلا ينصرف..يطالب بالباقي..أقف لأنظر إليه بقرف..وأسعد كثيراً لأنه لاحظ نظرتي..وإن بقى الوغد على مطلبه..
لا!
هذا ليس من حقه..
فلسنا روبوتات..
السيدة تخبره "معيش فكة"!
هذا كذب..لكنه حقها..فتصل به درجة الوقاحة بأن يطلب كيس مناديل آخر..يأخذه ويذهب..
أتوجه نحوها لأحقق بعضا من العدالة..
لو طُلبت بعدها في التحقيق..فسأقول للقاضي:

"إن الغزال في حاجة لبعض الحشائش قبل أن تكون الأُسُود في حاجة إليه"
أخرج من المترو.

...............................

08‏/01‏/2009

أنواع المرضى المصريين في مستشفيات الحكومة

1-المريض الشامل:
يدخل للطبيب ليخبره بشكواه التي تتلخص في أنه استيقظ من النوم فجأة ليكتشف أنه مصاب بضعف في البصر واضطراب في السمع وصعوبة في البلع وعسر هضم وسعال..وإسهال قد شفي منذ يومين بعد أن استبدله الله بإمساك..وألم في المفاصل وصعوبة في الحركة وضيق في التنفس وزيادة في عدد دقات القلب مع علاج منتظم يتناوله للضغط والسكر..ومع كل هذا يخبرك أيضا أنه مصاب بمرض فقدان الذاكرة المزمن!!..
الطبيب في المستشفى الحكومي -غالباً- يتميز بتكبير الدماغ بسبب مرتبه الحكومي المتدني..وخاصة مع حالات كهذه..فيقوم بتحويل المريض لعيادة ذات تخصص آخر ولا ينسى أن يؤكد عليه أن يخبرهم بالمرض الذي يناسب تخصص العيادة المحول إليها..ولأن طبيب العيادة اللاحقة لا يختلف عن طبيب العيادة السابقة فسيقوم بتحويله لعيادة أخرى لم يذهب إليها المريض في جولته..
وهكذا..يلف هذا المريض المسكين كعب داير على كل عيادات المستشفى لينتهي به المطاف -في النهاية- محولاً لبواب المستشفى-صاحب الخبرة الطبية التي لو قارناها بخبرة طبيب حديث التعيين تجد أنها لا بأس بها على الإطلاق- الذي يشفق على المريض فيكتب له على تذكرة العلاج (بروفين وبرامول) بالعربي -طبعا- لكي يصرفهم مجانا من صيدلية المستشفى التي يجهل المشتغلون بها قراءة اسماء الأدوية بالانجليزي!

2-المريض الشكاك:
يسأل الطبيب عن اسم كل دواء كتبه له ويحاول ترديد كل اسم ليحفظه ثم يحفظ الجرعة ثم يحضر الدواء ليسأل الطبيب عنه ثانية ويحاول أن يحفظ التوصيلات الستة لكل دواء..
(جرعته-لونه-اسمه-بيعالج ايه-اخده كام مرة في اليوم-قبل ولا بعد الأكل)
ثم يسأل: لو الدوا خلص ومخفتش؟
ولو خفيت ومخلصش؟
وقد يصل لأحدهم الشك في الطبيب الذي يسأله عندك إمساك أو إسهال؟
"طب إزاي دكتور ومش عارف"!
يشك في كل الأطباء..ضاربا بعرض الحائط الفرق بين الأعرض وعلامات الفحص..
الأمر الذي يدفع الطبيب لتوقيع روشتتين..واحدة للمريض والثانية له لعلاج الضغط أو الصداع
3-المريض المُدعي:
قد يكون مُدعِ المرض لا يعلم أنه كذلك..عندها يُحول للعيادة النفسية كحالة وسواس قهري..
لكني اتحدث هنا عمن يدعي وهو يعلم أنه كذلك!
الأشهر هنا..المريضة ال S L
هو مصطلح ابتكره أطباء حديثو التكليف اختصارا لــ (status labowaticus)
الكلمة الأولى تعني حالة طارئة تصيب الكلمة الثانية بحالة من التدهور يلزم لها التدخل السريع (الضغط -الصرع-الربو...)
لكن الكلمة الثانية ليس لها أصل في الإنجليزية إلا في نهايتها التي تضاف إلى آخر أسامي الأمراض في حالاتها الطارئة..لكن ما قبل ذلك هي كلمة عربية لها صلة قرابة بملك الغابة!
وهذا النوع من المرضى ينطبق بالطبع على النساء فقط..
كيف تميزهن؟
يكفي أن تدخل المرأة دون شكوى لتقول للطبيب: أنا عايزاك تكشف على صدري!
وإن قتل الطبيب وسواسه الخناس مستعيذا بربه من شك ليس في محله وقام بالكشف عليها فلا يجد شيئاً إلا يدها وهي تضغط يده على صدرها وتخبره "أيوة هنا"..
غالبا ستجد هذا النوع من مدعيات المرض متزوجات من أزواج مسافرين عنهن بأجسادهم أو بأعضائهم!
لكن بعض الأطباء يفضلون أن يضعوا للمرضى هؤلاء قطرة في الأنف تحدث هياجاً شديداً لهن..وقد يستخدم هذا أيضا كاختبار لاكتشاف تلك النوعية..فيكفي أن تخبرها: "انتي لازملك قطرة"..لتجدها تصرخ معلنة أنها قد شُفيت الآن..وبمعجزة إلهية!
هناك نوع آخر من مدعيّ المرض..اللي عايزين إجازة من الشغل.."والنبي يا دكتور..اكتبلي على اجازة"
4-المريض الخائف:
هو الذي يذهب للكشف عارضاً شكواه وهو مرتجف ..مصاب برهاب من الأطباء..يقدسهم بشدة..يعتقد من أقل عرض أنه مصاب بأخطر
مرض..فتتضح فقط إصابته بمرض معتاد يسهل علاجه..فيشكر الطبيب ويدعو له بالخير والبركة ودموع الفرحة تُلألئ عينيه الجميلتين..

5-المريض التائه:
قد يكون وارداً أن يدخل مريض الروماتيزم لعيادة العظام..
لكن المريض التائه قد يشكو من ضعف البصر في عيادة المسالك!
6-المريض التِنك:
غالبا ستجد مستواه المادي مرتفع نسبياً من ملابسه وحديثه..وتشم من كلامه رائحة احتقار للأطباء لكنه يريد أن يكشف في مكان قريب والسلام..رغم يقينه أن الطبيب سيكتب له دواء يعرفه لكنه يكشف وخلاص حتى لا يتهم نفسه بالتقصير..وقد يخبر الطبيب بكل برود أنه أتى إلى مستشفى حكومي عشان مفيش عيادات خاصة فاتحة الصبح وهو مش فاضي بالليل..
الأمر الذي يدفع أي طبيب يحمل ذرة كرامة بداخله أن يرفض الكشف عليه أو (يزيحه) إلى عيادة أخرى..
فكل الناس من أعلمهم إلى أجهلهم يعلمون أنك لا تذهب إلى مستشفى حكومي إلا لو كنت فقيراً أو أن لك واسطة هناك..
لكن من قال أن كل الأشياء تُقال؟!
7-المريض الحفلة:
تجده ساحباً معه خمسة أو أكثر من الأقارب والمعارف لأنه فقط يصاب بالحموضة بعد الوجبات الثقيلة!..
يكون الأمر أشبه بمعجزة عندما ينجح الطبيب في أن يُفهم من معه أن ينتظروه بالخارج..
ويكون أكبر من معجزة لو فعلوا ذلك!
أغلب الظن يكون لعدم ثقة أهل المريض في فحص الطبيب..وهم لهم الحق في ذلك كما للطبيب أيضا الحق في ألا يُؤخذ بذنب غيره!
8-المريض المِستخسر:
يدفع المريض جنيها ثمن لتذكرة دخول المستشفى والتي يصرف بها الدواء بالمجان..
لو أخبره الطبيب بعد الفحص أنه فقط مجهد..ليس مريض..وعلاجه الوحيد هو الراحة..فلا يكون من هذا المريض إلا أن يقول للطبيب: "طب اكتبلي كدة على أي دوا يمكن احتاجه ولا حاجة"!
وهنا ينقسم الأطباء لنوعين..
الأول..الكاره للحكومة: الذي يكتب له على حد اقصى 3 ادوية يصرفهم من الصيدلية مجاناً..
يكتب له الطبيب علاج لنزلة برد ويوصي المريض أن يتناوله عند أقرب فرصة أبعدها الله عنه!
الثاني..المُحب للحكومة: يُخبر المريض.."إنت محتاج تعمل أشعة"..فيهرب المريض مسرعاً لأن الاشعة ستجعله يدفع!
9-المريض المثقف:
ذلك الذي اعتاد منذ صغره أن يذهب للأطباء كعادة أسرية مقدسة..لو تغيرت فقط طبقة صوته يهرول إلى الطبيب..قد يعرف اسامي أدوية أكثر من حصيلة الطبيب المقيم!
قد تسوقه الأقدار نحو مستشفى حكومي..فيخبر الطبيب: "والنبي بلاش تكتبلي كذا أو كذا..عشان الأولاني بيعمللي حموضة..والتاني بيعمللي
إسهال"..."طب هو أنت ليه مكتبتليش كذا".."بيقولوا إن كذا بيجيب مضاعفات خطيرة فبلاش تكتبه"!

الأمر الذي يضع الطبيب في اختبار شفوي قد يتخلص منه بنبرة ثقة زائدة.."إنت هتعرفني شغلي ولا ايه؟"!
10-المريض الطبيب:
وما أدراك بالطبيب عندما يمرض..ستجده يتجاهل مرضه قدر الإمكان متخيلاً أنه -فقط- موهوم ..يقابل أي دواء بالشك..أي نصيحة
بالاستخفاف..خائف..خوف الآلهة عندما يتحولوا لعابدين..تائه...!!

وقد تجده يسأل الأطباء -معالجيه- أسئلة تجعلهم يشككون في حصوله على بكالريوس الطب والجراحة!
باختصار ستجد المريض الطبيب تحول إلى أشرس نوع من المرضى يصعب علاجه على أي طبيب آخر!
ستجد منه ملمح من كل نوع ذكرناه عن المرضى..
ماعدا نوع واحد بالطبع!
.....................

06‏/01‏/2009

"مِن مقهى في شارع نوبار"


أخرج من محطة سعد زغلول..أمر في شارع ضيق مشغول بالباعة بكل أنواع بضاعاتهم..منها ما يؤكل..منها ما
يُلبس..منها ما يساعد على فعل هذا أو ذاك..أشق طريقي بصعوبة بين سير الموظفين وتلاميذ مدرسة المبتديان ومراهقات
الثانوية بأعينهن العطشى..أتجه يميناً لشارع نوبار حيث مقر عملي الحكومي الجديد..

بمجرد انعطافي يعترض طريقي نداء سيدة عجوز تدلي السبت من شرفتها في الدور الأول.."يا ولا يا ابو دقن!".."إنت يا ابو دقن!"..
كان صوتها رقيقاً..أصغر بكثير من شيبة شعرها..تجاهلتها أول مرة لأن نداءها يحمل قدراً من قلة التهذيب..وقد يكون تجاهلاً مستحقاً..فربما كانت تقصد غيري..في المرة الثانية غلب فضولي بعد ندائها..فنظرت-هذه المرة- نظرة تمكنها من
ملاحظة نظرتي..فوجدتها تقول.."هات سجارة"..وتحرك إصبعيها قرب فمها كأنها تدخن..فترددت برهة..

قد تكون مجنونة وقد تكون "إبراهيم نصر" متنكراً وقد تكون-وهذا احتمال ضعيف- سيدة طبيعية لا تقدر على الخروج لكنها فقط (خرمانة)!..أثناء تفكيري في هذا كنت قد ابتعدت خطوات عن "السبت"..فقررت أن أرجعها ثانية لأضع فيه السجارة وأنا أتمعن في وجهها..كانت بالفعل مجنونة..فأخبرني رجل كان يعبر بجواري.."رايح فين؟..ديه اللهم
احفظنا!".."أنا بس هديها سجارة".."طيب إديها"..ومضى في طريقه..وضعت لها السجارة في "السبت"..قالت
Merci بارستقراطية لا تتماشى مع حول عينيها المرعب..كأن ساحراً وضع لسان "ليلى فوزي" في فم "عبد الفتاح
القصري"..

أذهب لأوقع إمضاء الحضور..الموظفة تُغلق الدفتر في الثامنة..رغم أن العمل يبدأ في التاسعة!..لا
بأس..أذهب في الساعة هذه لأجلب شطائر الفول والطعمية وجرائد الصباح..ثم أذهب لمقهى مكعب جوه جميل وساحر كأنه الجنة..

(دوماً في كل مكان جديد أذهب إليه أبدأ في استكشاف مقهاه المميز..ومن ثم مكان مفضل في المقهى لا استطيع
استبداله)..

أجلس قرب نافذة المقهى في مكاني المفضل..أحياناً أجده محجوزاً فأذهب لحاجزه وأقول له.."بعد إذنك ممكن
تبدل المكان..عشان فيه أوراق مهمة هتضيع!"..أقول جملتي الغريبة هذه-أو ما يشابهها- بسرعة ورجاء وحزم..
فينهض..وأحياناً يسألني أحدهم "مش فاهم"..فأخبره بصرامة (بطريقة أن الأمر حياة أو موت): "يعني ممكن تبدل
مكانك ضروري؟!..لو سمحت يعني.."..فأكسب رهاني-غالباً- مع نفسي حول قدرتي على التحليل النفسي..وعندما
يبدل الشخص مكانه ينظر إلي بعدها محاولاً أن يعرف ماذا قلت له بالظبط ولماذا قام..هذا غير مهم بالنسبة لي..طالما
جلست على مقعدي في الجنة..

أتناول فطوري بينما يحضر لي رجل المقهى كوباً من الماء كما يفعل أي رجل مقهى محترم..أتسلى بشم رائحة البن الآتية من محل بن ملاصق للمقهى..أنهى طعامي..أطلب قهوة مع حجر تفاح..
أرشف..أقرأ..أسحب..أستمع واستمتع لــ/بــ صياح الباعة من السوق القريب..حتى يأتي وقت ممارسة العمل
فأنهض..يتكرر الأمر معي يومياً..

نسيت أن أخبركم أن المقهى أمام البناية التي فيها العجوز..
سألت رجل المقهى عنها..أخبرني وهو جالس بجواري يدخن السلوم..
"ست دماغها تعبانة..عايشة لوحدها..عيالها ناسينها..بس ليها أخت بتجيلها تحميها وتأكلها وبعدين تقفل عليها باب الشقة بالمفتاح..بس ست مسالمة..مشفتهاش متعصبة غير مرة واحدة..كانوا شباب بايظ..ندهت عليهم عشان يدوها سجارة..فافتكروها شرموطة..آه والله..زي ما بقولك..تقوللي عجوزة..تقوللي مجنونة..لكن تقول إيه على عيال جعانة ولاد وسخة..واحد منهم راح طالعلها..والباقيين فضلوا يستفزوها من تحت وهي بتشتمهم..رحت قمت أنا وعيال الحتة بيهم..طحناهم..وحرمنالهم يعدوا من هنا تاني..أنا كتير ببعتلها سجاير..قزازة كاكولا..وناس كتير بتعمل كدة"..
يصمت..كنت أسمعه وأنا أنظر إليها وهي تدلي السبت..يبدو أنها اليوم شرهة للنيكوتين..أو إنها تريد أن تدخر بعض السجائر "لزوم زنقة"..كما أفعل أنا أحياناً..أخبئ علبة سجاير وسط كتبي في مكتبة المنزل..لكن المشكلة إني دوماً ما أتذكر مكان العلبة -رغم نسياني الدائم- واعتمد عليها حتى تنفذ فاضطر للصبر حتى الغد أو مهاتفة السوبر ماركت!..وعندما وجدتني آخذ في تسجيل التشابه بيني وبينها أدركت أن الجنون قد يكون أقرب إلي من حبل الوريد!..
قال: تصدق وتآمن بالله؟..قلت: لا إله إلا الله..قال: "أنا عشان مكدبش عليك افتكرتك في الأول واحد من العيال دول من كتر ما عمال تبص عليها..بس لقيت شكلك ابن ناس..قلت إنك مستحيل تعمل كدة"..
تجاهلت انطباعه الأول وشكرته على الثاني..
بعدها..
وجدتني متعلق جداً بحالة تلك السيدة العجوز..وأصبحت المدة التي أقضيها في المقهى موزعة بين القراءة والاحتساء ومراقبة تلك السيدة وهي تراقب المارة في الشارع..محاولاً تخمين خواطرها حولهم..أصبحت لا أشعر بالراحة إلا بعدما أضع لها السجارة الصباحية..تعجبني طلتها الجميلة بعدها وهي تسحب السبت بلهفة الأطفال..
وتطور الأمر ليصبح سجارة الصبح وسجارة الظهر..بعد ما أنهي عملي..
كنت عندما أمر في الصباح ولا أجدها مستيقظة لا استطيع أن اتوفق ذلك اليوم في عملي..رغم أن طبيعة مهتني لها
علاقة بسماع شكاوي البشر وتخفيف مآسيهم..إلا أن كل راحتي كنت لا أشعر بها إلا بعد دفعي لضريبة الصباح اللطيفة
للسيدة العجوز..ولا أنسى إني عندما كنت جالساً على المقهى ذات صباح..وجدت شاباً يضع لها سجارة..فشعرت بغيرة
شديدة تتملكني..وكنت أريد أن أذهب إليها وأصرخ في وجهها "هو أنا حرمتك من سجاير عشان تعملي كدة؟"..أدركت
وقتها أن الجنون معدٍ!

أسأل رجل المقهى: ماذا لو ماتت أختها؟
فيجيب: ربنا يتولاها برحمته!
.....................